أراضي الجموع بين الإصلاح والفساد: هل تنجح الدولة في حماية حقوق الجماعات السلالية؟

ضربة قلم
تُعرَّف الجماعات السلالية باعتبارها تجمعًا من الأشخاص الطبيعيين، رجالًا ونساءً، يرتبطون بسلالة نسب مشتركة، ويشتركون في ملكية عقارات على وجه الشياع تُعرف بـ”أراضي الجموع”. ويُطلق على هؤلاء الأفراد اسم “ذوي الحقوق”، نظرًا لانتمائهم التاريخي والقانوني لهذه الأملاك الجماعية.
تُدبَّر هذه الأراضي من خلال “جماعة النواب”، وهي هيئة منتخبة من داخل الجماعة السلالية نفسها، تتولى تمثيل مصالح ذوي الحقوق وتدبير شؤون الأرض بالتنسيق مع وزارة الداخلية بصفتها السلطة الوصية. وفي هذا الإطار، جاء القانون رقم 62.17 المتعلق بالوصاية الإدارية على الجماعات السلالية وتدبير أملاكها، بهدف تقنين العلاقة بين الدولة والجماعات السلالية، وضمان حسن التصرف في هذه الأملاك بما ينسجم مع مبادئ الشفافية والمساواة والتنمية المستدامة.
تحولات جذرية تحت ضغط التحديث والعدالة المجالية
في سياق متغيرات اجتماعية واقتصادية متسارعة، يشهد ملف الأراضي السلالية في المغرب تحولات جذرية تعكس حجم الرهانات المطروحة على الدولة لتأهيل المجال القروي وضمان العدالة العقارية. فعلى امتداد السنوات الأخيرة، بادرت السلطات إلى إطلاق إصلاحات قانونية وإدارية غير مسبوقة، تهدف إلى تحديث نظام تدبير الأراضي الجماعية، وتكريس الحقوق الفردية والجماعية لذوي الحقوق، في أفق تحويل هذه الأراضي من مصدر نزاع إلى رافعة للتنمية المستدامة والاندماج الاقتصادي، خصوصًا في ظل الضغط المتزايد على الموارد العقارية ومطالب الإنصاف المجالي والاجتماعي.
الإطار القانوني والإصلاحات
في سنة 2019، أصدرت الحكومة المغربية حزمة من القوانين لتنظيم الأراضي السلالية، أبرزها:
- القانون رقم 62.17: يتعلق بالوصاية الإدارية على الجماعات السلالية وتدبير أملاكها
- القانون رقم 63.17: يخص التحديد الإداري لأراضي الجماعات السلالية
- القانون رقم 64.17: يتعلق بالأراضي الجماعية الواقعة في دوائر الري.
تهدف هذه القوانين إلى تحديث الإطار القانوني للأراضي السلالية، وتسهيل عملية تمليكها لفائدة ذوي الحقوق، بما يُعزّز الاستثمار والتنمية المستدامة في المناطق القروية.
عملية التمليك: من توجيهات ملكية إلى مشاريع واقعية
تندرج عملية تمليك أراضي الجماعات السلالية ضمن استراتيجية الحكومة لتنزيل التوجيهات الملكية، التي تدعو إلى جعل هذه الأراضي رافعة للتنمية الاقتصادية والاجتماعية. وتشمل أهداف العملية:
- تحفيظ العقارات الفلاحية المستغلة من قِبَل ذوي الحقوق وتسجيلها بأسمائهم.
- تشجيع الاستثمار في أراضي الجموع وتثمينها فلاحياً.
- تسهيل إجراء الصفقات العقارية وزيادة المردودية العقارية.
يُخول الإطار القانوني الجديد لأعضاء الجماعات السلالية حق الانتفاع بأراضي جماعتهم بصفة مشتركة أو فردية لأغراض فلاحية، مما يعزز من حقوقهم ويشجع على استغلال الأراضي بشكل أمثل.
تفويتات مشبوهة تقود برلمانياً سابقاً إلى المحاكمة: نموذج من اختلالات تدبير أراضي الجموع
رغم الإصلاحات، لا يزال ملف الأراضي السلالية يواجه تحديات قانونية واجتماعية، يتجلى أبرزها في قضايا التفويت غير المشروع. ففي فبراير 2025، شهدت المحكمة الابتدائية بمراكش محاكمة برلماني سابق وعدد من المتهمين الآخرين، على خلفية تفويت عقارات سلالية بجماعة السويهلة، استنادًا إلى وثائق مشكوك في شرعيتها. تدور القضية حول منح وثائق تتيح التصرف في أراضٍ غير قابلة للتفويت أصلًا، مما أثار تساؤلات قانونية حول مدى مشروعية هذه المعاملات.
ويواجه المتابعون تهماً ثقيلة تتعلق بإعداد وثائق غير قانونية، والتصرف في ملك جماعي بطرق مخالفة للقوانين، إضافة إلى استغلال النفوذ لتحقيق مصالح غير مشروعة. وتأتي هذه القضية لتسلط الضوء مجددًا على ضرورة تعزيز آليات الرقابة والشفافية.
الحاجة إلى عدالة حقيقية ومساءلة فعالة
في ظل هذه التحديات، تبرز الحاجة الملحة إلى تفعيل آليات الرقابة والمساءلة، لضمان ألا تتحول أراضي الجموع إلى غنيمة لفئة محدودة على حساب ذوي الحقوق الحقيقيين. إن ردّ الاعتبار لأبناء الجماعات السلالية لا يمر فقط عبر التمليك أو التحديث القانوني، بل يبدأ أولًا بإرساء العدالة وإعادة الثقة في المؤسسات، من خلال حماية هذه الأراضي من التلاعب والفساد، وإشراك ذوي الحقوق في قرارات التسيير والتصرف.
وحدها مقاربة شاملة تقوم على العدالة والشفافية والمشاركة الفعلية لذوي الحقوق، كفيلة بتحويل أراضي الجموع من بؤر للتهميش والنزاع إلى رافعة حقيقية لتحقيق التنمية والإنصاف المجالي.
Good https://is.gd/N1ikS2