أزيلال: القائد غاب عن النعش وحضر في الشكاية!

ضربة قلم
في بلد العجائب الذي يسمى المغرب، حين تلد النساء فوق النعوش لا تُحاسب وزارة الصحة، ولا يُستدعى وزير التجهيز، ولا يُساءل من عرقل الأشغال على الطرقات الجبلية، بل يُستدعى المواطن… المواطن البسيط، ابن الجبل الذي لا يملك سوى هاتف قديم وضمير حي، ليقف أمام المحكمة، متهمًا بالتشهير والمساس بالحياة الخاصة. أهذا فيلم عبثي؟ لا، هذه جلسة محكمة!
تخيلوا هذا السيناريو: سيدة حامل تُحمل على نعش مخصص للموتى، لا لأن أحدًا أعلن وفاتها، بل لأن الطرق المعبدة لم تصل بعد إلى عالمها. أما سيارة الإسعاف، فتنتظر في قرية بعيدة، تتأمل المشهد من بعيد وكأنها تقول: “إذا جاؤوني سالمين، فسوف أُكمل المهمة”. أما سكان دوار “تكوخت”، فقد ارتجلوا ما توفر لديهم، ولم يكن ذلك سوى النعش… نعم النعش، عربة الطوارئ الوحيدة التي يمكن أن تصمد في وجه الحفر والانهيارات.
المضحك المبكي، هو أن الواقعة لم تفتح تحقيقًا في أسباب التأخر في فك العزلة، ولا في ميزانيات الطرقات التي اختفت في السراب، بل فتحت تحقيقًا مع من نشر الفيديو، ومن شارك الصور، ومن تجرأ على تسليط الضوء على الفضيحة. فبدل أن يُكافأ من فضح العار، قرروا محاكمته. وها هو المواطن، الذي شارك في عملية النقل، يُساق إلى المحكمة وكأنه العقل المدبر لعصابة دولية، فقط لأنه “كان هناك”… وكان إنسانًا بما يكفي ليحمل سيدة في لحظة مخاض.
وهنا تطرح الأسئلة نفسها، ولكن لا أحد يجرؤ على الإجابة: من الذي يشهر بمن؟ هل هو المواطن الذي نقل الحقيقة إلى الناس؟ أم هي السلطة التي فضّلت كتم الحقيقة تحت ثقل الترخيص المسبق من وزارة الداخلية؟ هل من العدل أن نُخضع هاتفًا لفحص تقني، ولا نخضع البنية التحتية لذات الصرامة؟ بل، هل نحن فعلا في دولة تحترم الأولويات، حين يكون تقديم شكاية من طرف قائد أكثر سهولة من تقديم سيارة إسعاف عند الحاجة؟
ثم دعونا لا ننسى، أن ثلاثة من المتابعين لم يكونوا أصلا في مكان الحادث، لكن لأنهم شاركوا في التفاعل مع الحدث عبر الإنترنت، أصبحوا في مرمى التشهير… لا تشهير بمن أجرم، بل تشهير بمن استنكر. وكأن التضامن أصبح جريمة، والنشر أصبح مؤامرة، وكأننا في رواية جورج أورويل، لكن بنكهة “أزيلالية” صرف.
كل هذا، يا سادة، جرى في منطقة لا تزال تعيش في القرن التاسع عشر، لكن تُحاكم وفق نصوص القانون الجنائي للقرن الحادي والعشرين، وبينهما حفرة سحيقة من التناقضات. ففي الجبل، لا تصل الكهرباء أحيانًا، ولا الماء، ولا الخبز، ولكن تصل المتابعة القضائية بدقة ليزرية، مزودة بخبرة تقنية على الهواتف، وكأننا أمام مافيا سيبرانية، لا أربعة مواطنين حملوا امرأة على نعش من خشب الرحمة.
المحكمة ستنطق بالحكم قريبًا، لكن الشعب نطق منذ زمن: إن كانت الدولة لا تستطيع إيصال الإسعاف، فلتتوقف عن إيصال الاستدعاءات. وإن كانت لا تقدر على فتح الطرق، فلا يحق لها إغلاق الأفواه. لأن المواطن حين يحمل امرأة على نعش لا يفكر في الشهرة، بل في الحياة. وحين يُحاكم على ذلك، نعلم أننا وصلنا إلى لحظة عبثٍ لا تشبه إلا نفسها.
ففي المغرب، قد تُلد النساء على النعوش، لكن لا يُولد الضمير في المكاتب المكيفة. أما النعش… فقد أصبح رمزًا لكل من ماتت فيه السياسة، ودفنت فيه الكرامة، وخرج منه – للأسف – القائد بشكايته بدل أن يخرج بحل.
ملاحظة: الصورة تعبيرية ولا علاقة لها بالواقعة المذكورة





Top https://shorturl.fm/YvSxU
Cool partnership https://shorturl.fm/a0B2m