أشباه الرجال: زمن العضلات الفارغة والكلمة الضائعة

ضربة قلم
في زمن صار فيه الشارب علامة رجولة، لا المواقف، وفي عصر تداخلت فيه الأصوات الجهورية مع نبرات الخضوع، نعيش مرحلة عنوانها الكبير: أشباه رجال في هيئة رجال. كثر هم أولئك الذين يحملون شاربًا “قد الدنيا”، ويتحدثون بلغة الأمر والنهي، لكنهم حين تُوزع المواقف، يتوارون خلف الظلال، يلعقون الأحذية تارة، ويتقمصون دور “المخبر الودود” تارة أخرى.
هؤلاء ليسوا رجالا، بل مجرد ظلال ذكورية تمشي على قدمين، لا موقف لهم إلا المصلحة، ولا كلمة لهم إلا ما يُملى عليهم، ولا شجاعة لهم إلا حين تكون الكاميرات بعيدة والخصم أضعف.
بين المظهر والمخبر: شارب فوق ووشاية تحت
تجد الواحد منهم يتحدث عن “الرجولة” وكأنها حكر على نوع شاربه أو عدد عضلاته، بينما الحقيقة تقول إن الرجولة موقف. الرجولة صدق. الرجولة قدرة على قول “لا” حين يعلو الصمت. لكن “أشباه الرجال” يفضلون قول “نعم سيدي” لكل من يمنحهم حفنة دراهم أو منصبًا مؤقتًا.
هم أول من يهرع إلى الدوائر الأمنية حين تهمس بشيء عن الوضع، أول من “يبيع” رفاقه إن احمرت العيون، وأول من يختبئ خلف ستائر النساء حين يشتد الهبوب. إنهم المخبرون الهواة، سماسرة المواقف، المتاجرون بكل شيء: بالكرامة، بالعلاقات، وحتى بالوطن إن اقتضى الأمر.
عندما تتحول الرجولة إلى ديكور اجتماعي
في الأعراس، يتفاخرون. في المقاهي، يتنمرون. في الأسواق، يتطاولون على الضعفاء. لكن حين تُطلب منهم كلمة حق، يصابون بالبكم. أشباه الرجال لا يعانون من ضعف الصوت، بل من ضمور في الضمير.
أغلبهم يعتنق الرجولة كشكل اجتماعي لا كمبدأ. يربون أولادهم على الخضوع، وبناتهم على الصمت، ويتحدثون عن “الأصول” و”العيب”، بينما هم لا أصل لهم سوى النفاق، ولا عيب عندهم إلا فيمن يصدح بالحقيقة.
الرجولة الحقيقية: سلعة نادرة
نعم، صرنا نعيش في زمن ندرت فيه الرجولة الصادقة، لا تلك التي تباع في منشورات “الفايسبوك”، ولا التي تُرفع في فيديوهات “الهيبة”، بل الرجولة التي تظهر حين يُظلم الجار، وتغيب العدالة، ويتغول الفساد.
الرجولة ليست في رفع الصوت، بل في الدفاع عن الحق ولو على حساب النفس. ليست في صفع البقال المسكين، بل في الوقوف في وجه “علبة فساد” متنقلة تُسمى مسؤولًا. وليست في قيادة سيارة فارهة بتقسيط مشبوه، بل في عيش حياة نظيفة بجيب فارغ ورأس مرفوع.
أشباه الرجال في المناصب والقبائل
ستجدهم رؤساء جمعيات يتحدثون باسم “الصالح العام” بينما هم وكلاء على مصالحهم الشخصية. تجدهم في المجالس، في الهيئات، وحتى في المساجد، يوزعون النصائح الأخلاقية وهم أكثر الناس سقوطًا.
ويا لغرابة المشهد: أشباه رجال في خدمة كل رجل سلطة، مهما كان جائرًا. يقايضون الدم بالابتسامة، ويستبدلون صرخات المقهورين بتقارير كيدية. إنهم لا يعيشون معنا، بل يعيشون علينا.
حين تنكسر الأقنعة
لكن كما يُقال: “دوام الحال من المحال”. أشباه الرجال لا يدومون طويلا، لأن المواقف تُفرز المعادن، والزمن لا يرحم الكاذبين. سيأتي يوم تنكسر فيه الأقنعة، وتظهر الحقيقة: أن كل ذلك “الهيكل الرجولي” لم يكن سوى مجسم هش، وأن الشارب الكثيف كان يخبئ فمًا جبانًا.
الخاتمة: الرجولة لا تُشترى
فلنقلها صراحة: الرجولة لا تُقاس بمقدار العنف، بل بمقدار العدل. لا تقاس بطول الشارب، بل بعلو الموقف. ولا تُثبت بالصراخ، بل بالصمت الحكيم حين يعلو الصخب.
في زمن أشباه الرجال، يصبح الرجل الحقيقي عملة نادرة. فابحث عنه في الزوايا المنسية، في من يقول “لا” حين يقول الجميع “نعم”، وفي من يختار أن يعيش حرًا فقيرًا، لا عبدًا غنيًا.
ملاحظة: الصورة من وحي الخيال الصناعي، وأي شبه بينها وبين وجه جاركم “الحاج فلان” فهو غير مقصود إطلاقًا!




