رياضة

أشرف حكيمي: نجم عالمي تربى على دموع أم مغربية

من أزقة "Getafe" إلى قمة الكرة العالميّة

ضربة قلم

في أحد أحياء مدريد المتواضعة، حيث لا شيء يلمع سوى عرق العمال الفقراء، كان طفل مغربي يُدعى أشرف حكيمي يركض وراء كرة جلدية على الإسفلت الحارق. لم يكن يملك حذاءً رياضيًا فخمًا، ولا ملعبًا معشوشبًا، ولا حتى وقتًا كافيًا بين مساعدة والدته في البيت ومرافقة والده في العمل. لكن ما كان لديه فاق كل ذلك: كان لديه إصرار، وكان لديه حلم.

ينحدر حكيمي من أسرة مغربية مهاجرة بسيطة، والده كان يعمل بائعًا متجولًا، ووالدته تنظف المنازل لتضمن قوت اليوم لأسرتها. الحياة لم تكن سهلة، لا من حيث المال، ولا من حيث الهوية. فقد وُلد في بلد لا يرى فيه سوى “ابن مهاجر”، وظل لسنوات يشعر بأنه “ماشي من هنا وماشي من هناك”، كما عبّر هو ذاته في مقابلات لاحقة.

في سن الثامنة، وبفضل إصرار والده، التحق بأكاديمية ريال مدريد. لم يكن الطريق مفروشًا بالورود، بل مليئًا بالعقبات: البعد، المجهود، لغة مختلفة في البيت والمدرسة، نظرات الشك من المدربين. لكن الصبر هو اسم العائلة. كان والده يقود يوميًا عشرات الكيلومترات لإيصاله إلى التدريب، ثم ينتظر ساعات طويلة حتى يعيده إلى البيت. لم يكن هناك مطعم فخم ينتظرهما، بل قطعة خبز يابسة يأكلانها في السيارة، بابتسامة صامتة تقول: “غدًا أفضل”.

تدرج حكيمي في جميع الفئات العمرية للريال، وصولًا إلى الفريق الأول، قبل أن يذهب معارًا إلى بروسيا دورتموند. وهناك، في ألمانيا، انفجرت موهبته. اكتشف العالم سرعة خارقة، وشخصية هادئة، وقدرة على التأقلم لا تُصدق. لكن في قلبه، لم يتغير شيء. ما زالت صورة والدته في ذهنه، وهي تنظف بيوت الإسبان ليشتري هو حذاء كرة.

رغم كونه ابن مدريد، ورغم محاولة الاتحاد الإسباني استقطابه، اختار أشرف حكيمي المغرب. قال في أكثر من مناسبة إنه يشعر بانتمائه الحقيقي حين يلبس القميص الأحمر ويحمل النجمة الخضراء على صدره. وفي إحدى المقابلات، أجهش بالبكاء وهو يتحدث عن دعم والدته له: “لم تكن تشتري شيئًا لنفسها… كانت تدخر كل شيء لأجلي، كي أشتري حذاءً أو أذهب للتدريب. أمي بطلة.”

بلغت اللحظة الأجمل ذروتها في كأس العالم 2022 في قطر، عندما ركض نحو المدرجات بعد فوز المغرب، ليعانق والدته ويقبل جبينها. كانت تلك اللحظة أعظم من أي هدف. كانت قصة هجرة، وتعب، وصبر، وحب، تختصر في حضن واحد.

اليوم، حين يُذكر أشرف حكيمي، يذكر معه الانضباط، الذكاء، والوفاء. لاعب يعيش في باريس، يتحدث خمس لغات، لكنه حين يتحدث عن نفسه، يقول: “أنا ولد الحومة. أنا أشرف، ابن المغرب.”

ربما لا يعرف كثيرون أن حكيمي يدعم بصمت مشاريع اجتماعية في المغرب، ويساعد شبابًا صغارًا عبر جمعيات وأكاديميات، دون بهرجة إعلامية. لأنه ببساطة، لم ينسَ يومًا من أين جاء، ولا تلك الوجبة البسيطة في سيارة والده، ولا دعاء والدته المتكرر: “الله يسخر ليك اللي فيه الخير.”

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى

أنت تستخدم إضافة Adblock

أنت تستخدم اضافة Adblocks يجب تعطيلها.