ألف قنينة خمر ودرون فوق الرؤوس… موسم مولاي بوعزة يتحول من “زيارة ولي” إلى “غزوة أمنية”!

ضربة قلم
حيث يلتقي “الروحاني” بـ”الهيلولة”، وحيث تتحول التقاليد إلى “تشنج أمني”، وتتحول الضواحي إلى مسارح استعراضية لرجال الدرك والدرون والطائرات الصغيرة التي تبحث عن “نفس” ممنوع وسط تبوريدة صاخبة وعشوائية منظمة لحد الفوضى.
هذه السنة، لم يكن موسم مولاي بوعزة مجرد تجمع شعبي بلمسة روحانية ورشة بارود. لا لا، لقد تحول إلى نسخة مغربية من سلسلة “Narcos”، فقط الفرق أن البطولة هنا للدرك الملكي وليس لبابلو إسكوبار، وأن المخدرات تضبط في أكياس بلاستيكية تحت خيام غير مرخصة، وليس في طائرات خاصة.
الإنزال الأمني كان دراماتيكياً لدرجة أن الزوار لم يعرفوا هل جاؤوا لزيارة ضريح ولي صالح أم لمشاهدة استعراض عسكري بنكهة فولكلورية. قوات الدرك، القوات المساعدة، تقنيات مراقبة، درونات تحلق فوق الرؤوس، وحتى التبوريدة – التي من المفترض أن تكون عرضًا للفروسية التراثية – أصبحت محركًا أمنياً بامتياز، بل يمكننا أن نقول إنها أصبحت “التبوريدة الجوية”.
وما الغنيمة؟ لا شيء أقل من 1000 قنينة خمر، أي ما يكفي لافتتاح حانة متوسطة الحجم في شارع الحسن الثاني. ناهيك عن أكثر من 650 كيلوغراماً من المواد المخدرة، وهي الكمية التي تجعلنا نتساءل: هل موسم مولاي بوعزة مجرد تظاهرة شعبية أم “كوب ماركت” موسمي لترويج الكيف تحت قباب الخيام؟
الطرقات؟ حدث ولا حرج. 260 مخالفة مرورية، وكأن الجميع تذكّر فجأة أنه يمتلك دراجة نارية غير مرخصة أو عربة مجرورة ببغل متمرد لا يحمل وثائق تأمين.
ولأن الأمور لا تكتمل إلا بإضافة لمسة من “الاحتراف”، تم استخدام “الدرون” ليس فقط لمراقبة الوضع الأمني، بل ربما أيضاً للبحث عن آخر كوب شاي نُسي فوق رأس أحدهم. التقنية حاضرة، نعم، لكن بنكهة فلكلورية تشبه وضع جهاز تتبع على ظهر جمل في موسم الزريبة.
طبعاً، لم تكن التدخلات الأمنية محصورة في مركز مولاي بوعزة فقط، بل امتدت نحو “ضريح الطاهر بالمعطي”، وهو اسم يبدو وكأنك ستجده على بطاقة بريدية، لكنه في الواقع أصبح نقطة جذب فرعية… أو قل: نقطة توتر فرعية، حيث المخيمات العشوائية تقابلها تدخلات “منظمة”، وحيث التخييم يتم تحت شعار “خذ راحتك، ولكن لا تبتعد كثيراً عن أعين الدرك”.
ورغم هذه الفوضى الهادئة، تبقى الألسن تردد: “راه موسم مولاي بوعزة راه عندو قيمة، راه كيجيو ليه من جميع الجهات”. فعلاً، يأتون من كل فج عميق، وكل واحد يحمل همّه وخيمته وأحياناً “كمية صغيرة للاستعمال الذاتي” قد تتحول إلى قضية وطنية.
إنه موسم تتقاطع فيه كل المتناقضات: الزهد والتخمة، الخشوع والفوضى، البخور ورائحة الحشيش، التصوف والمخالفات المرورية. ومع كل سنة، يعود النقاش القديم-الجديد: هل نحن أمام موسم ديني أم مهرجان للخرق الإداري؟ هل نحتفل بالتراث أم نتفنن في دفن القوانين تحت “صباط التبوريدة”؟
لكن الأكيد، أن مولاي بوعزة ما زال صامداً… ضريحاً كان أم موسماً… لأن “الروحاني” في المغرب لا يموت، بل يتحول كل سنة إلى معركة لوجستيكية تحت شعار: “البارود حاضر، والدرك حاضر، والدرون كيصور من الفوق”.