إسرائيل وإيران: من صواريخ السماء إلى حرب الخطابات

ضربة قلم
في تحول غير مسبوق منذ عقود من التوتر المحكوم بالخطوط الحمراء، دخل الصراع الإيراني–الإسرائيلي مرحلة جديدة من التصعيد المباشر، بعد تبادل الهجمات الصاروخية بين الطرفين. الحدث لم يكن مجرد تبادل ناري بل لحظة كشف استراتيجي، عرّى هشاشة “توازن الردع” القائم، وفتح أبوابًا جديدة للحرب تتجاوز الميدان العسكري نحو الداخل السياسي والنفسي لكل طرف.
البداية: شرارة من دمشق
انطلقت الجولة الأخيرة من التصعيد حين شنت إسرائيل غارة جوية استهدفت القنصلية الإيرانية في دمشق، ما أدى إلى مقتل عدد من قادة الحرس الثوري، في رسالة مباشرة مفادها: لا ملاذ آمن لكم حتى في المنشآت الدبلوماسية.
رد إيران لم يتأخر، بل جاء صادماً: مئات الطائرات المسيّرة والصواريخ أُطلقت من داخل أراضيها، لأول مرة بشكل علني ومباشر نحو العمق الإسرائيلي. وبينما نجحت أنظمة الدفاع الإسرائيلية – بدعم أميركي وبريطاني – في اعتراض معظمها، فإن الرسالة كانت قد وصلت بوضوح: إيران مستعدة للمواجهة المفتوحة.
الرد الإسرائيلي: في العمق الإيراني
إسرائيل، بدورها، ردّت بضربة خاطفة استهدفت منشآت قرب مدينة أصفهان، إحدى الحلقات المحورية في البنية النووية والصاروخية الإيرانية. هذه الضربة، رغم محدوديتها، أكدت لإيران أن أي استخدام مفرط للقوة سيقابل باختراق للعمق الحساس.
نتنياهو يخاطب الإيرانيين: دبلوماسية الفتنة
في ذروة التصعيد، خرج رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو بخطاب متلفز موجه للشعب الإيراني، مترجم إلى الفارسية، قال فيه إن “نظامكم هو سبب مآسيكم” ودعا إلى “عدم الانجرار وراء مغامرات حكامكم الذين يبددون ثروات البلاد على ميليشيات في الخارج بدل تحسين حياة الإيرانيين”.
الخطاب ليس فقط دعائيًا، بل جزء من استراتيجية متكاملة: حرب نفسية تستهدف الداخل الإيراني، ومحاولة لشق الصفوف وخلق شعور بالتمرد على القيادة الدينية والعسكرية. غير أن هذا النوع من الخطابات قد يرتد، حيث يمنح النظام الإيراني ذريعة لتأطير كل احتجاج داخلي على أنه صناعة صهيونية.
قراءة استراتيجية: رسائل مزدوجة وتحولات جذرية
-
منظومة الردع تتآكل: لم تعد الحدود واضحة بين ما هو مقبول أو مرفوض. الهجوم المباشر من طهران، والرد الإسرائيلي داخل أراضي إيران، يقوضان مفهوم الردع المتبادل ويعنيان أن كل طرف بات مستعدًا لتحمل الكلفة.
-
حرب الجبهات المفتوحة: من لبنان إلى العراق، ومن اليمن إلى غزة، يملك كل طرف حلفاء جاهزين لفتح جبهات إضافية. ومع تصاعد التوتر في البحر الأحمر والخليج، تبدو المنطقة قابلة للاشتعال في أكثر من محور.
-
انكشاف محدود للقدرات: رغم أن إسرائيل أظهرت تفوقًا في الضربات الدقيقة، فإن حجم النيران الإيرانية شكّل اختبارًا حقيقيًا لمنظومتها الدفاعية، وكشف عن قدرة إيران على إغراق الخصم بكم صاروخي ومسيّر كثيف.
-
الفراغ الأميركي والتوجس الغربي: موقف واشنطن بدا محتويًا، ليس دعمًا مفتوحًا بل في إطار ضبط الإيقاع. الغرب لا يريد حربًا جديدة، لكنه لا يملك أدوات إطفائها إن اشتعلت.
السيناريوهات المرتقبة: أي طريق تسلكه المواجهة؟
-
احتواء بالضغط الدولي
قد تدفع واشنطن وأوروبا نحو تبريد الجبهات وإحياء قنوات التفاوض النووي. التصعيد الأخير قد يُستثمر لإعادة رسم خطوط حمراء جديدة، على أن تتراجع إيران عن الرد المباشر، وتعود إسرائيل لحرب الظل. -
حرب إقليمية متعددة الجبهات
إذا قررت إيران إشراك حزب الله أو الميليشيات في العراق وسوريا، ستتحول الضربات المحدودة إلى اشتباك واسع، وقد تدخل السعودية والإمارات على خط الدفاع الذاتي، مما يؤدي إلى حرب شرق أوسطية شاملة. -
تصعيد غير متوازن عبر الحرب السيبرانية
هناك احتمال كبير بأن تنتقل المعركة إلى الفضاء الإلكتروني، حيث يملك الطرفان سجلًا حافلًا في الهجمات على بنى تحتية حيوية. ستكون هذه حربًا بلا صواريخ ولا دماء، لكن بنتائج كارثية على الاقتصاد والخدمات المدنية. -
انفجار داخلي في إيران أو إسرائيل
خطاب نتنياهو قد يُترجم إلى احتجاجات محدودة داخل إيران، لكن في المقابل، أزمة الثقة داخل إسرائيل نفسها – في ظل الانقسامات السياسية – قد تخلق شروخًا في الإجماع القومي حول خوض مواجهة مفتوحة.
خاتمة: صراع على المكشوف في زمن ضبابي
ما نشهده ليس مجرد تصعيد، بل بداية طور جديد من الصراع الإقليمي، حيث تتداخل الحروب العسكرية مع الدعائية والسيبرانية، ويتحول كل خطاب إلى صاروخ، وكل صاروخ إلى رسالة استراتيجية. الزمن الذي كانت تُدار فيه هذه الصراعات من خلف الستار قد انتهى، وها نحن نرى “العداوة المؤجلة” وقد أصبحت حربًا مكشوفة في زمن مضطرب لا يملك فيه أحد مفتاح الإطفاء.