رياضة

اتحاد المحمدية… نادٍ عريق أُجهضته سنوات من التسيير الشخصي!

ضربة قلم

يُعد نادي اتحاد المحمدية الرياضي، المعروف اختصارًا بـ”USM”، واحدًا من أقدم المعالم الرياضية لمدينة المحمدية وللكرة المغربية عمومًا، حيث تعود جذور تأسيسه إلى سنة 1947، قبل أن يتعزز المشهد الرياضي المحلي بسنة واحدة فقط بتأسيس الجار والغريم شباب المحمدية سنة 1948. وعلى الرغم من أسبقيته التاريخية، لم يتمكن اتحاد المحمدية من فرض نفسه كرقم صعب على مستوى الألقاب أو القاعدة الجماهيرية، إذ ظل دائما في موقع الظل مقارنة بجاره الأكثر تتويجًا وحضورًا في الساحة الوطنية.

اختار النادي الأصفر والأخضر ألوانًا رمزية تميز هويته البصرية، وقد ظل مرتبطًا بملعب البشير، الملعب التاريخي لمدينة المحمدية، الذي يقتسمه منذ عقود مع شباب المحمدية. وشكل هذا التعايش داخل فضاء مشترك عنوانًا لصراع رياضي تقليدي بين الناديين، صراع غالبًا ما اختلطت فيه المنافسة الرياضية بالرهانات المحلية والاجتماعية للمدينة.

عرف اتحاد المحمدية فترة ذهبية محدودة، أبرزها موسم 1980 عندما نجح في تحقيق المركز الثالث في القسم الوطني الأول. وهو إنجاز لا يزال محفورًا في ذاكرة أنصاره القلائل مقارنة بغريمهم الأكبر. ذلك الموسم، ظل النادي الأصفر والأخضر يتصدر الترتيب العام حتى المراحل الأخيرة، قبل أن يتراجع بشكل مفاجئ، ما فتح الباب أمام الكثير من الروايات حول أسباب هذا التراجع، سواء المرتبطة بالظروف الفنية أو بكواليس التدبير الرياضي.

رغم امتلاكه لمقر اجتماعي يضم قاعات رياضية ومقهى ومنشآت من المفترض أن تكون داعمة لهويته كمؤسسة رياضية، ظل اتحاد المحمدية رهينة أزمات مالية متلاحقة، أزمات تكاد تكون هي القاسم المشترك لكل فصوله في العقود الأخيرة. ويجمع المراقبون على أن الوضع المالي للنادي لم يكن في يوم من الأيام على مستوى طموحات محيطه، ما انعكس سلبًا على نتائجه الرياضية وعلى استمرارية برامجه التنموية المفترضة.

وفي محاولة للحد من هذه المعاناة، شهد شهر فبراير من سنة 2024 توقيع اتفاقية شراكة مع المجلس البلدي لمدينة المحمدية، تروم تقديم دعم مالي للنادي ومواكبته في تجاوز أزماته الهيكلية. غير أن العديد من الأصوات انتقدت هذه المبادرة، مشيرة إلى أن الدعم المالي وحده لا يكفي دون إصلاح جذري لمنظومة التسيير وآليات الحكامة داخل النادي، خصوصًا في ظل استمرار نفس الوجوه في مناصب المسؤولية دون تجديد أو مساءلة حقيقية.

يُبدي العديد من المتابعين للشأن الرياضي المحلي استغرابهم مما يوصف باحتكار منصب الرئاسة داخل النادي، وكأن غيرة شخص واحد على الفريق تغني عن ضرورة التداول الديمقراطي وإشراك كفاءات جديدة. هذا الوضع، الذي استمر لعدة مواسم متتالية، أصبح يثير تساؤلات مشروعة حول آليات التسيير ومستقبل النادي في ظل استمرار الأزمات المالية والإدارية، وسط دعوات متزايدة إلى ضرورة ضخ دماء جديدة تواكب طموحات الجماهير وتعيد للفريق إشعاعه التاريخي.

وتطرح حالة اتحاد المحمدية مثالًا صارخًا على معضلة الجمعيات الرياضية في المغرب، حيث تتحول مؤسسات يُفترض أن تكون أداة للرقي الاجتماعي والرياضي إلى كيانات مشلولة، يغلب عليها الطابع الشخصي في التسيير، بعيدًا عن المبادئ الحديثة للحكامة الرياضية.

ومع ذلك، لا يزال اتحاد المحمدية يحتفظ بمقومات تؤهله للعودة إلى الواجهة إذا ما توفرت إرادة حقيقية للإصلاح. فالاستثمار في البنية التحتية للنادي، وإرساء معايير شفافة في التسيير، والانفتاح على الطاقات المحلية الشابة، يمكن أن يشكل قاعدة لإعادة بناء النادي على أسس سليمة. بالإضافة إلى ذلك، يبقى الرهان الأكبر معقودًا على إعادة ربط النادي بجماهيره، لأن أي مشروع رياضي لا يمكن أن ينجح دون وجود قاعدة اجتماعية صلبة تدعمه وتراقب أداءه.

إن قصة اتحاد المحمدية ليست مجرد حكاية نادٍ رياضي عريق يعيش أزمة عابرة، بل هي انعكاس حي لمظاهر الخلل التي تطبع تسيير عدد كبير من الأندية والجمعيات الرياضية بالمغرب. ولعل استعادة النادي لمكانته الطبيعية رهين بمدى القدرة على الانتقال من منطق التدبير الشخصي إلى منطق المؤسسة الحديثة القائمة على الشفافية، والمساءلة، والانخراط الفعلي للطاقات والكفاءات.

يبقى السؤال مفتوحًا أمام مسؤولي المدينة، وأمام مختلف الفاعلين الرياضيين والمدنيين: هل سيتحول دعم المجلس البلدي إلى فرصة حقيقية للإصلاح، أم مجرد مسكن جديد لأزمة هيكلية قد تعصف بما تبقى من إرث اتحاد المحمدية؟

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى

أنت تستخدم إضافة Adblock

أنت تستخدم اضافة Adblocks يجب تعطيلها.