سياسة

احتجاجات جيل زد: صفعة سياسية ودروس مجانية للأحزاب المغربية

ضربة قلم

جيل زد المغربي (المولود بين أواخر التسعينات وبداية 2010) فجّر مفاجأة من العيار الثقيل: احتجاجات واسعة، منظمة، وسريعة الانتشار، دون قيادة تقليدية ولا شعارات حزبية. هذا وحده كافٍ ليُربك كل حزب سياسي اعتاد أن يقيس وزنه بعدد الكراسي لا بعدد الأصوات الحقيقية في الشارع.

الدرس الأول: نهاية لغة الخشب

جيل زد لا ينتظر خطبًا مطولة ولا وعودًا منمقة. هذا الجيل يتعامل بالمنشور، الفيديو، والميمز الساخرة أسرع من أي بيان رسمي. الأحزاب التي مازالت تظن أن مؤتمرًا جهويًا أو تجمعًا خطابيا هو وسيلة إقناع، لم تفهم أن لغة التواصل تغيرت جذريًا.

الدرس الثاني: السياسة خارج المقرات

بينما الأحزاب حبيسة مقراتها، منشغلة بالصور الرسمية والتقارير الداخلية، جيل زد وجد في تيك توك، إنستغرام، وتلغرام ساحته الطبيعية. هذه المنصات أصبحت برلمانًا موازيًا يخلق نقاشًا سياسيًا حقيقيًا، بعيدًا عن الجلسات المملة تحت القبة.

الدرس الثالث: لا قواعد ولا ولاء

الحقيقة المُرّة أن الأحزاب المغربية فقدت قواعدها التقليدية. لم يعد هناك مناضلون أو مؤطرون يلتفون حول المقر أو يوزعون المنشورات في الأحياء. ما بقي هو ولاء انتخابي هش، يُشترى في موسم ويُباع في آخر. احتجاجات جيل زد أثبتت أن الشارع فارغ سياسيًا، وأن من يملأه اليوم هم الشباب المستقلون، لا الأحزاب.

الدرس الرابع: التنظيم اللامركزي أقوى

جيل زد أثبت أن القوة في اللامركزية: لا زعيم، لا لجنة مركزية، لا مكتب سياسي. ومع ذلك، الاحتجاجات خرجت بآلاف التلاميذ والطلبة والشباب. هذا يضع الأحزاب في موقف محرج: بُنياتهم الهرمية الثقيلة لم تعد تساوي شيئًا أمام دينامية شباب ينظم نفسه على “غروب واتساب”.

الدرس الخامس: القضايا الاجتماعية أولًا

الأحزاب تتصارع حول الحقائب الوزارية، المقاعد البرلمانية، والتحالفات الهشة، بينما جيل زد يطالب بأبسط الحقوق: العيش الكريم، محاربة غلاء الأسعار، تعليم جيد، صحة متاحة للجميع. هنا تظهر الفجوة العميقة: شباب الشارع يعيش همّ الحياة اليومية، والأحزاب تلهو بمسرحية السياسة.

الدرس السادس: الشرعية الحقيقية من الشارع

الانتخابات الأخيرة أظهرت عزوفًا غير مسبوق، ومع ذلك تواصل الأحزاب التغني بـ”شرعية الصناديق”. احتجاجات جيل زد أوضحت أن الشرعية اليوم لا تُقاس بعدد المقاعد، بل بمدى القدرة على التجاوب مع نبض الشارع.

الخلاصة: درس مجاني بثمن باهظ

جيل زد قدّم درسًا قاسيًا: السياسة ليست انتخابات كل خمس سنوات، بل ثقة يومية تُبنى أو تضيع. الأحزاب التي تخلّت عن قواعدها ولم تجدد خطابها وتنظيمها، اكتشفت أن الشارع لم يعد يحمل اسمها ولا شعارها. ومن لم يفهم أن العالم تغير، سيبقى ينتظر جمهورًا لن يعود، وقواعد تبخرت مع الزمن.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى

أنت تستخدم إضافة Adblock

أنت تستخدم اضافة Adblocks يجب تعطيلها.