اقتصادمجتمع

الأسعار في المغرب: حين قررت القفز على الحواجز دون استئذان

ضربة قلم

في المغرب، الأسعار ليست مجرد أرقام مكتوبة على لافتات المتاجر، بل هي مخلوقات برية منفلتة، تجوب الأسواق بحرية تامة، تقفز فوق القدرة الشرائية للمواطنين كما لو أنها متسابقة محترفة في الأولمبياد. لا قوانين الفيزياء تضبطها، ولا حتى نظريات الاقتصاد التقليدية يمكنها تفسير هذه الظاهرة، بل هي أقرب إلى ألعاب السيرك حيث المفاجآت غير المتوقعة هي القاعدة.

نشأة “خضروات النخبة”

كل شيء بدأ عندما قررت الخضروات أن تتنصل من دورها الشعبي. بعد سنوات من الوفاء للفقراء، جاء وقت التمرد. البطاطس، التي لطالما كانت الصديقة الوفية لكل الأسر المغربية، أصيبت بنوبة تضخم في الأنا وصارت تتحدث بلغة الأرقام الفلكية. أما الطماطم، فقد اختارت طريق الشهرة، وأصبحت في مستوى النجوم الذين لا يظهرون إلا على السجاد الأحمر.

أما البصل، ذلك المكون الأساسي في كل وجبة مغربية، فقد يرتفع سعره أحيانا لدرجة يصبح اعتباره  “بترول المطابخ”. في المقابل، اللحوم أعلنت استقلالها الاقتصادي، وأصبحت حلمًا بعيد المنال، أما السمك، فقرر أن يكتفي بالظهور على موائد الأثرياء فقط، مؤكدًا أنه لم يعد يناسب الطبقات الكادحة.

الفواكه: صراع الطبقات

أما الفواكه، فقد دخلت بدورها في حرب طبقية. البرتقال المصنف من أربعة نجوم لم يعد يرضى بمكانته القديمة، فقرر رفع أسعاره ليشعر بأنه في مستوى الأناناس، بينما التفاح قرر أن يصبح “التفاح الذهبي” في الأساطير، حيث يتصارع الجميع للحصول عليه.

الموز؟ أصبح رمزًا للمفاجآت، فتارةً يكون في متناول اليد، وتارةً أخرى يختفي ليعود بأسعار تنافس الذهب.

الحكومة: المدرب بلا صافرة

في هذا السيرك الاقتصادي، تبدو الحكومة وكأنها مدرب بلا سلطة، يحمل صافرة لكنه لا يصفر أبدًا. التصريحات الرسمية تأتي غالبًا بأسلوب “كل شيء تحت السيطرة”، لكن السؤال الحقيقي هو: “تحت سيطرة من؟”. وبينما يتجول المواطن بين الأسواق حاملًا آلة حاسبة وكأنها جهاز إنذار مبكر ضد الصدمات السعرية، تواصل الأسعار مغامراتها فوق الحواجز دون اكتراث.

المواطنون يطورون استراتيجيات للبقاء

أما المواطن المغربي، فلم يعد لديه خيار سوى التأقلم مع هذه القفزات العشوائية. البعض قرر التحول إلى الزراعة الحضرية، فبدأ بزراعة الخضروات فوق الأسطح وفي الشرفات، بينما آخرون قرروا دراسة جدوى الصيد في المياه العكرة، حرفيًا وليس مجازيًا!

أما الفئة الأكثر إبداعًا، فقد بدأت في تطوير نظريات اقتصادية جديدة قائمة على التوقعات الفلكية، حيث أصبح المواطن يتابع نشرة الأبراج ليعرف ما إذا كان يومه سيكون مناسبًا لشراء البيض أم لا.

متى تعود الأسعار إلى الأرض؟

في النهاية، يبقى السؤال الكبير معلقًا في الهواء مثل الأسعار نفسها: هل سنرى يومًا ما الأسعار وهي تمشي على الأرض بدلًا من القفز فوق رؤوس المواطنين؟ أم أننا بحاجة إلى اختراع عملة خاصة بالمواطن البسيط، تتيح له الدخول إلى هذا السيرك الاقتصادي بكرامة؟

إلى ذلك الحين، يبقى الحل الوحيد هو التكيف مع الواقع، وانتظار اللحظة التي تقرر فيها الأسعار أخيرًا النزول من “المرتفعات”، لتعيد إلينا الإحساس بأن التسوق يمكن أن يكون مجرد نشاط يومي، وليس مغامرة محفوفة بالمخاطر!

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى

أنت تستخدم إضافة Adblock

أنت تستخدم اضافة Adblocks يجب تعطيلها.