الأمطار تكشف المستور من جديد: مدن تغرق والبنية التحتية في قفص الاتهام!

ضربة قلم
كما هو متوقع في كل موسم ممطر، لم تكن الأمطار التي شهدتها عدة مدن مغربية خلال الـ 24 ساعة الماضية رحمة للجميع، بل تحولت إلى كابوس للسكان الذين وجدوا أنفسهم محاصرين وسط شوارع غارقة، ومنازل متضررة، وطرقات غير صالحة للاستعمال. ورغم أهمية هذه التساقطات في إنعاش الفرشة المائية والقطاع الفلاحي، إلا أنها عرت عن واقع مرير تعيشه البنية التحتية في عدة مدن، حيث أثبتت مجددًا عدم جاهزيتها لمواجهة تغيرات الطقس.
أرقام تكشف حجم التساقطات
بحسب المديرية العامة للأرصاد الجوية، فإن طنجة كانت صاحبة النصيب الأكبر من التساقطات بـ 58 ملم، تليها شفشاون بـ 57 ملم، ثم إفران بـ 42 ملم. فيما سجلت الرباط، العرائش، والجديدة 28 ملم، والقنيطرة 31 ملم، وسلا والصويرة 25 ملم، وبني ملال 24 ملم. أما مدن أخرى كالمحمدية وتطوان فقد سجلت حوالي 19 ملم، في حين شهدت الدار البيضاء 18 ملم، وسطات ومكناس وخريبكة حوالي 13 ملم.
ورغم أن هذه الأرقام تبدو في بعض المناطق غير استثنائية، إلا أن وقعها على البنية التحتية كان كارثيًا، إذ تحولت بعض المدن إلى مستنقعات ضخمة يصعب التنقل فيها، وهو ما يطرح تساؤلات حول جودة المشاريع الكبرى التي أنفقت عليها المليارات، ومع ذلك لا تصمد أمام تساقطات مطرية ليست استثنائية.
برشيد: قنوات صرف صحي عاجزة والساكنة تئنّ
من بين المدن التي عانت بشدة من هذه الأمطار، مدينة برشيد التي تحولت إلى مستنقع كبير بسبب انسداد قنوات الصرف الصحي وعدم قدرتها على استيعاب كميات المياه المتساقطة. وقد غمرت المياه العديد من الأزقة والأحياء، مما جعل التنقل صعبًا بل ومستحيلًا في بعض المناطق.
المثير للسخرية أن سكان برشيد يواجهون هذه الأزمة في كل موسم ممطر، دون أن يكون هناك أي تدخل حقيقي لمعالجة المشكل من جذوره. بل إن الحلول الترقيعية التي يتم اللجوء إليها سرعان ما تنهار عند أول اختبار جدي، حيث تشهد المدينة كل سنة نفس السيناريو المتكرر:
- شوارع تتحول إلى برك مائية يصعب عبورها.
- فيضانات في أحياء سكنية أدت إلى تسرب المياه إلى بعض المنازل والمحلات التجارية.
- غضب واستياء من الساكنة بسبب غياب تدخل عاجل للسلطات المحلية.
وتبقى الأسئلة المطروحة: هل تم تصميم هذه القنوات بشكل ملائم؟ وهل تم تنفيذ المشاريع وفق المعايير المطلوبة، أم أن صفقات التهيئة مجرد حبر على ورق؟
الدار البيضاء.. العاصمة الاقتصادية في وضع لا يليق بمكانتها
الدار البيضاء، العاصمة الاقتصادية للمغرب، لم تكن أحسن حالًا من برشيد، فقد سجلت أمطارًا متوسطة، ومع ذلك شهدت عدة أحياء فيضانات كبيرة، لا سيما في المناطق ذات البنية التحتية الضعيفة مثل بعض الأحياء في سيدي معروف، سباتة، ومرس السلطان.
كما أن الطرقات الرئيسية في بعض المناطق كـ عين السبع وأنفا عرفت ازدحامًا خانقًا بسبب تجمع المياه وتعطل حركة السير، مما كشف عن خلل واضح في نظام تصريف مياه الأمطار الذي يبدو غير قادر على استيعاب حتى كميات متوسطة من التساقطات.
أين الميزانيات المرصودة للبنية التحتية؟
كل سنة، تصرف الجماعات الحضرية ميزانيات ضخمة على مشاريع البنية التحتية، خصوصًا المتعلقة بالصرف الصحي وتصريف مياه الأمطار. ومع ذلك، في كل موسم ممطر يتم اكتشاف أن هذه المشاريع لم تكن سوى سراب، إذ سرعان ما تفضحها بضعة مليمترات من الأمطار، فما بالك بعاصفة مطرية حقيقية؟
المفارقة الكبرى أن المسؤولين لا يظهرون إلا بعد وقوع الكارثة، حيث يتم إطلاق وعود بإصلاح الأوضاع، لكن مع مرور الوقت يُعاد إنتاج نفس السيناريو، وكأن المطر هو المقياس الوحيد لفضح المستور!
ما الحل؟
إذا كان المغرب يتحدث عن مشاريع ضخمة واستثمارات مستقبلية كبرى، فكيف يعقل أن تبقى مدنه الكبرى غير قادرة على استيعاب أمطار عادية؟ الحل ليس في الحلول الترقيعية، بل في:
- إعادة تقييم مشاريع البنية التحتية ومحاسبة المسؤولين عن الإخفاقات المتكررة.
- الاستثمار في شبكات صرف حديثة قادرة على مواجهة التغيرات المناخية.
- تفعيل الرقابة على تنفيذ المشاريع، وضمان أن الصفقات يتم إنجازها وفق معايير الجودة المطلوبة.
في انتظار ذلك، سيبقى المواطن البسيط هو الضحية الأولى، حيث يغامر بحياته لعبور الشوارع الغارقة، ويخسر ممتلكاته بسبب الفيضانات، بينما المسؤولون يختبئون وراء التصريحات المكررة.
فهل سنرى تغييرًا حقيقيًا، أم أن المطر سيبقى الفاضح الوحيد للواقع؟