دفاتر قضائية

الأمن يتزوّج بالمخدرات في بن سليمان: آخر محطة قبل أن يفقد المواطن صوابه

ضربة قلم

لم نعد نفهم في المغرب، هل نحن فعلاً في دولة قانون ومؤسسات، أم مجرد كواليس مسرح عبثي لا ينتهي، تلعب فيه المصالح أدوار البطولة، بينما الحقيقة تُصفّق من بعيد وهي تضع يديها على رأسها من شدة الدهشة؟ فكلما قلنا “ها قد بدأ الإصلاح”، جاءنا خبر كفيل بأن يجعل الصحافة نفسها تطلب اللجوء إلى سويسرا.، و”شمهروش” يطلب اللجوء السياسي.

القصة الأخيرة، وهي ليست خيالًا من تأليف بوليسي، بل واقعة موثّقة، تفيد أن رجلي أمن، أحدهما ضابط شرطة والثالث دركي، تم ضبطهم متلبسين حتى النخاع في علاقة تواطؤ وتنسيق مريب مع تجار المخدرات. لا، ليس في وكر ناءٍ في جبال الريف، ولا في زقاق مظلم من أزقة الكاريانات، بل في آخر محطة بنزين بمدينة بن سليمان، على الطريق المؤدية إلى بوزنيقة، حيث يبدو أن البنزين لم يكن هو السائل الوحيد المتداول هناك.

هؤلاء، الذين من المفترض أنهم يسهرون على أمن وسلامة المواطنين، تحوّلوا إلى “أفراد في شبكة”، شركاء لا في محاربة الجريمة، بل في تنظيمها. وعوض أن يمسكوا بالمجرمين، كانوا يُنسّقون معهم، بل وربما يقدّمون لهم الاستشارة القانونية والتغطية الميدانية. هل يمكن أن نسمي هذا اختراقًا للأجهزة؟ لا يا سيدي، هذا تحوّل الأجهزة نفسها إلى فاعل ضمن السوق السوداء، إلى درجة قد نضطر فيها مستقبلاً لكتابة لافتة جديدة على مداخل المدن: “مرحباً بكم في المغرب، هنا الحامي قد يكون هو الحرامي… فخذوا حذركم!”.

وهنا، لا بد أن نتساءل، لا من باب الفضول، بل من باب البقاء: كم من عملية مثل هذه تمر كل يوم دون أن تُكتشف؟ وكم من مسؤول أمني أصبح جزءًا من شبكات ترويج الحشيش والكوكايين والمخدرات الصلبة، لكنه يُسلَّم عليه بحرارة في الاجتماعات، ويُنادى عليه بـ”سي العميد” في حفلات التنويه؟

إنها ليست مجرد فضيحة مهنية، بل زلزال أخلاقي وأمني، يجعلنا نعيد النظر في تلك الشعارات الرسمية من قبيل “الشرطة في خدمة الشعب”… فربما كان المقصود بها خدمة نوع خاص جدًا من الشعب، من أولئك الذين يتاجرون في الوهم والخراب والسمّ الذي يفتك بالأحياء الشعبية في صمت.

نحن الآن أمام مشهد مضحك ومبكٍ في آنٍ معًا: محطة بنزين تحولت إلى محطة للتمويل والتوزيع واللقاءات السرية، والرجال الذين يفترض أن يحرسوا القانون يتبادلون الابتسامات مع من يخترقونه، وربما يباركون لهم نهاية الأسبوع و”الطريق السالكة”. لو حوّلنا هذه الواقعة إلى فيلم سينمائي، لما صدّقناها، ولاتُّهِمَ المخرج بالمبالغة والتهويل، لكننا للأسف لا نتحدث عن خيال، بل عن واقع يسخر منّا جميعًا.

في المغرب، صارت الجريمة تعرف القانون أكثر من أهل القانون، وصار الخارج عن النظام، أذكى من حارسه، وصار الشارع يعرف أن “الطيب” في الأفلام فقط. أما الحقيقة، فهنا في بن سليمان، وفي آخر محطة بنزين قبل بوزنيقة، حيث يُعقد قران الفساد على “التواطؤ الرسمي”، بحضور شهود من كل المؤسسات.

إدن، لم يتبقَّ لنا إلا أن نطلب من المواطن المغربي ألا يفقد الأمل، وأن يحتفظ بكلمة “الأمن” في المعجم لا في الواقع، وأن يدرك أن الحياة عندنا، ليست إلا سلسلة “كاميرات خفية”… لكن بدون ضحك، وبدون نهاية سعيدة.

وفي النهاية، لا نرمي الجميع في سلّة واحدة، ولا نعمّم الأحكام على كل من يرتدي البذلة الرسمية، فبين صفوف الأمن والدرك رجال شرفاء يؤدون واجبهم بكل تفانٍ ونزاهة، ويقفون في وجه الفساد مهما كلّفهم ذلك. حديثنا اليوم موجّه لحالات شاذة، لكنّها للأسف لا تُعالج بالحزم الكافي، وتكاد تُشكّل قاعدة في نظر الرأي العام، ما دام الصمت هو الجواب الوحيد، والمحاسبة حدثًا نادرًا يُحتفى به بدل أن يكون قاعدة.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى

أنت تستخدم إضافة Adblock

أنت تستخدم اضافة Adblocks يجب تعطيلها.