مجتمع

الإرهاب غير المعلن: عندما يصبح المواطن ضحية “سياسة أمنية بوجهين”

ضربة قلم

نحن نعيش في زمن أصبح فيه “مكافحة الإرهاب” ورقة رابحة بامتياز في العلاقات الدولية، وعملة صعبة تُصرف في أسواق السياسة الخارجية. المغرب، كغيره من الدول، وعى مبكراً قيمة هذه الورقة، فاستثمر في تكوين أجهزته الأمنية، وسوّق نفسه كشريك استراتيجي في الحرب على الإرهاب، وحصد بذلك ثناء الدول الكبرى ومكاسب مادية لا يستهان بها. لكن في ظل هذا النجاح، يظل سؤال حارق يتردد في الأذهان: ماذا عن الإرهاب الممنهج الذي يعيشه المواطن المغربي يومياً؟

ما يتجاهله صناع القرار، أو ربما يتغافلون عنه عن قصد، هو أن الإرهاب ليس فقط ذلك الوحش الذي يُهدد السلم الدولي، بل هو أيضاً ذلك الخنجر المغروس في تفاصيل حياة المغاربة. فهل نحن نحارب الإرهاب أم نصنع بيئة خصبة لنوع آخر منه؟ إنها مفارقة مذهلة: نفس الأجهزة التي تستعرض مهاراتها في تفكيك الخلايا الإرهابية هي نفسها التي تغض الطرف عن الإرهاب الاقتصادي الذي يسحق الطبقة الوسطى، والإرهاب الاجتماعي الذي يفرّخ جيوشاً من المهمشين، والإرهاب الإداري الذي يجعل المواطن أسيراً للبيروقراطية المميتة، والإرهاب القضائي الذي يجعل العدالة أحياناً مجرد شعار أجوف، والإرهاب النفسي الذي يزرع الخوف من التغيير، بل وحتى من الحلم بمستقبل أفضل.

حين يُجبر المواطن على دفع الضرائب دون أن يرى أي انعكاس لها على مستوى الخدمات، وعندما يُترك لرحمة سوق لا يرحم، وعندما تصبح كلفة التعليم والصحة والسكن كابوساً يومياً، فذلك شكل من أشكال الإرهاب. هو ليس تفجيراً يدوياً، لكنه قنبلة موقوتة داخل كل أسرة، داخل كل حي، داخل كل طموح يتم وأده في المهد. لا شيء يُرهق المغربي أكثر من الجري وراء الأوراق، والوثائق، والتوقيعات. المواطن هنا متهم حتى يثبت العكس، ومطلوب منه إثبات وجوده في كل خطوة، بينما المتنفذون (أصحاب النفوذ) يعبرون بسلاسة كما لو أنهم في طريق معبّد بالورود. أما حين يتجرأ المواطن على اللجوء للقضاء، فإنه غالباً ما يجد نفسه في متاهة، حيث الوقت والمال والصبر تتآكل قبل أن يصل إلى أي نتيجة.

نعم، المغرب حقق إنجازات لا يمكن إنكارها في تفكيك الشبكات الإرهابية، لكن ماذا عن المواطن الذي يعيش إرهاباً يومياً بسبب إفراط بعض الأجهزة في استخدام القوة؟ حين يصبح التجمع السلمي جريمة، والتعبير عن الرأي مغامرة، والاحتجاج مساراً محفوفاً بالمخاطر، فإننا نكون أمام مفهوم جديد للإرهاب: الإرهاب الذي يرتدي زياً رسمياً، ويحمل أختام الدولة. ليس هناك إرهاب أخطر من ذاك الذي يجعل المواطن يعتاد على القمع، ويقتنع أن السكوت هو الحل الوحيد. حين يصبح الخوف من التغيير جزءاً من الثقافة العامة، وحين يتم ترويض العقول كي لا تحلم بمستقبل مختلف، فإننا أمام شكل متطور من الإرهاب غير المرئي، لكنه أكثر فتكاً من كل القنابل والأسلحة.

إذا كان المغرب قد أبدع في تسويق نفسه كدولة ناجحة في محاربة الإرهاب، فإن السؤال الحقيقي هو: متى سيبدأ في محاربة الإرهاب الداخلي الذي يُهدد استقرار مواطنيه؟ متى سيُدرك أن الأمن الحقيقي لا يُبنى فقط على تفكيك الخلايا الإرهابية، بل على تفكيك القنابل الاجتماعية والاقتصادية والسياسية التي تهدد بانفجار صامت أشد خطراً من أي تهديد خارجي؟ الإرهاب الذي يأتي من الخارج قد يكون مؤقتاً، لكن الإرهاب الممنهج الذي يُمارَس يومياً ضد المواطن، هو الذي يبني ألغام المستقبل.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى

أنت تستخدم إضافة Adblock

أنت تستخدم اضافة Adblocks يجب تعطيلها.