الإشهار المموه في الدراما التلفزيونية: اختراق صارخ للأخلاقيات والقانون

ضربة قلم
لا يكاد يخلو موسم رمضاني في المغرب من جدل حول بعض الإنتاجات التلفزيونية، سواء من حيث مستوى الأداء الفني أو مدى احترامها للقيم الاجتماعية والأخلاقية. لكن حينما يصبح الإشكال متعلّقًا بالإشهار غير المعلن داخل الأعمال الدرامية، فإننا أمام تجاوز خطير يتطلب تدخّل الهيئات التنظيمية، وعلى رأسها الهيأة العليا للاتصال السمعي البصري (الهاكا).
يحكي أحد الأصدقاء أنه كان يتابع حلقة من مسلسل رمضاني، ففوجئ بمشهد يُطلب فيه من أحد الممثلين تعبئة رصيد هاتفه، لكن الصياغة لم تكن بريئة، إذ تم ذكر اسم شركة الاتصالات بصيغة دعائية واضحة، مما يطرح تساؤلات حول ما إذا كان هذا الإشهار قد تم الاتفاق عليه قبل مغادرة المدير السابق للشركة. بل تم ذكر رموز مفضوحة تضفي نوعًا من الشرعية على هذا “الإشهار المقنّع”. فما الذي يجعل هذه الممارسة مخالفة صريحة للقانون؟ وما هي مسؤولية الجهات الوصية على القطاع السمعي البصري في وضع حدّ لها؟
الإشهار المقنع: خرق أخلاقي وقانوني
يُعرَّف الإشهار المقنع أو المموه على أنه إدراج محتوى إعلاني داخل الأعمال الدرامية أو البرامج التلفزيونية دون التصريح بذلك بشكل واضح للجمهور. في هذه الحالة، يبدو أن المشهد الذي تحدث عنه صديقنا لم يكن عفويًا، بل استُخدمت فيه أسماء شركة بطريقة غير مباشرة دون أي مبرر درامي، وهو ما يجعلنا أمام دعاية تجارية غير معلنة.
الإشكال القانوني هنا يكمن في عدة نقاط:
- مخالفة قانون الاتصال السمعي البصري: ينص القانون المنظم للقطاع على ضرورة الفصل بين المحتوى الإعلامي أو الدرامي وبين الإشهار، مع وجوب تنبيه الجمهور عند عرض أي مادة إعلانية.
- التلاعب بوعي المشاهدين: حينما يتم دسّ دعاية تجارية داخل مسلسل دون الإفصاح عن طبيعتها، فهذا يُعدّ خداعًا للمشاهدين، الذين يظنون أنهم يتابعون عملاً فنياً بينما هم في الواقع يتعرضون لمحتوى إعلاني مقنّع.
- انتهاك مبدأ تكافؤ الفرص بين الشركات: السماح لعلامة تجارية ما بالترويج لمنتجاتها بهذه الطريقة يمنحها ميزة غير عادلة على حساب الشركات المنافسة التي تلتزم بالقواعد الإعلانية الواضحة.
مسؤولية “الهاكا” وضرورة التدخل
المجلس الأعلى للاتصال السمعي البصري (الهاكا) باعتباره الجهة التنظيمية للقطاع مطالبٌ بالتدخل بحزم ضد هذه الممارسات، خاصة وأن له سوابق في توقيف أو معاقبة مؤسسات إعلامية لمخالفات مشابهة. وفي هذا السياق، يُتوقّع من المجلس اتخاذ إجراءات تشمل:
- تحقيق عاجل في مدى تورط القناة أو الشركة المنتجة في تمرير هذا النوع من الإشهار المموه.
- فرض غرامات أو عقوبات إذا ثبت أن هناك خرقًا لمقتضيات القانون المنظم للاتصال السمعي البصري.
- إصدار توجيهات صارمة تلزم القنوات التلفزيونية بعدم تكرار هذه التجاوزات.
الجمهور بين الوعي والتلاعب
الخطير في الأمر أن بعض المشاهدين قد لا يدركون أن ما يشاهدونه هو إعلان غير مباشر، مما يفتح الباب أمام موجة جديدة من “الاستغلال الإعلامي” حيث يتم التلاعب بعقول المشاهدين باسم الترفيه. وهنا يظهر دور المواطن والإعلام الحر في فضح مثل هذه الممارسات، سواء عبر وسائل التواصل الاجتماعي أو من خلال تقديم شكايات رسمية إلى “الهاكا” وغيرها من الجهات الوصية.
خاتمة: هل تتحرك “الهاكا”؟
يبقى السؤال: هل ستتدخل “الهاكا” لوقف مثل هذه الاختلالات، أم أن المسلسل سيستمر دون محاسبة، مما يكرّس واقعًا أصبح يثير استياء فئة كبيرة من المغاربة الذين يرغبون في إعلام نظيف يحترم ذكاء المشاهد؟ على المجلس أن يُثبت، مرة أخرى، أنه بالفعل هيئة لحماية المشاهد وليس مجرد مؤسسة رقابية بلا فاعلية.