مجتمع

الإشهار بين استغلال المرأة واستغلال المشاهير.. هل فقدت الدعاية مصداقيتها؟

ضربة قلم

لطالما كانت الإعلانات التجارية ساحةً لاستغلال الصورة، سواء تعلق الأمر بالمرأة أو اليوم بالمشاهير. في الماضي، كان جسد المرأة هو العنصر الأكثر توظيفًا في الإعلانات، حيث كانت تظهر في سياقات لا علاقة لها بالمنتج المروج له، فقط لجذب الانتباه وإثارة الاهتمام. واليوم، نشهد تحولًا جديدًا في عالم الإشهار، حيث أصبحت وجوه المشاهير هي السلعة الأكثر رواجًا، بغض النظر عن الجودة أو انعدامها.

من استغلال الجسد إلى استغلال الشهرة

في العقود الماضية، كان الإعلان يعتمد على عنصر الإغراء، مستغلًا صورة المرأة لإضفاء جاذبية مصطنعة على المنتجات. كان الأمر يبدو وكأن أي سلعة، من السيارات إلى معجون الأسنان، بحاجة إلى وجه أنثوي جذاب كي تباع. لكن مع تزايد الوعي المجتمعي بضرورة احترام صورة المرأة، بدأ المعلنون يبحثون عن بدائل جديدة للتأثير على المستهلكين.

واليوم، تحول الإشهار إلى استغلال المشاهير، سواء كانوا فنانين رغم كونهم مغمورين أو بلا جمهور، أو رياضيين، أو حتى أشخاصًا اشتهروا فقط عبر وسائل التواصل الاجتماعي. ولم يعد المهم أن يكون للنجم علاقة بالمنتج، بل يكفي أن يكون له عدد كبير من المتابعين ليتم بيعه كأداة ترويجية، حتى لو لم يستخدم المنتج من قبل!

حين تصبح الشهرة أهم من الجودة

هذه الظاهرة الجديدة جعلت جودة المنتوج في المرتبة الثانية، بينما أصبحت قوة الشهرة هي المحدد الرئيسي لنجاح أي حملة إعلانية. والمثير للسخرية أن بعض المشاهير يروجون لمنتجات لم يجربوها قط، أو حتى قد تكون ضارة بالصحة، لكنهم يقبلون بيع أسمائهم وصورهم مقابل المال.

ومن بين السلبيات الكبرى لهذا التوجه:

  1. تضليل المستهلك: عندما يرى شخص منتوجه المفضل يُروج من طرف نجم يحبه، فقد يظن أن هذا المنتج يستحق الشراء، حتى وإن كان عديم الجودة أو غير فعال.
  2. خلق أنماط استهلاكية مزيفة: يصبح الاستهلاك مرتبطًا فقط بالشهرة وليس بالحاجة الفعلية، حيث يتجه الناس إلى شراء منتجات فقط لأنها مرتبطة باسم مشهور.
  3. التأثير على الفئات الهشة: الأطفال والمراهقون هم الفئة الأكثر تأثرًا بهذه الدعاية المضللة، حيث يعتقدون أن اقتناء منتج معين سيجعلهم أكثر قبولًا أو شهرة، تمامًا كما هو الحال مع النجم الذي يروج له.
  4. تلاشي ثقة المستهلك: عندما يصبح الإشهار أداة للتلاعب العاطفي أكثر من تقديم المعلومات الحقيقية، يفقد المستهلك الثقة في العلامات التجارية وحتى في المشاهير أنفسهم.

الإشهار.. من أداة إعلام إلى أداة خداع؟

في الأصل، يُفترض أن يكون الإشهار وسيلة لإعلام المستهلك بمنتجات ذات جودة وفائدة. لكنه اليوم تحوّل إلى أداة تضليل تسعى فقط لإقناع المستهلك بأي طريقة، دون احترام ذكائه أو احتياجاته الحقيقية. فما الفرق بين أن يُباع لك منتج عبر حيلة بصرية في إعلان تلفزيوني، أو أن يُباع لك عبر وجه مشهور لم يجربه أصلًا؟

إن استغلال المشاهير في الإشهار دون أي اعتبار للمصداقية يطرح أسئلة أخلاقية مهمة: هل هؤلاء النجوم يؤمنون حقًا بالمنتجات التي يروجون لها، أم أن الأمر مجرد صفقة مالية باردة؟ وهل سنصل إلى مرحلة يكون فيها الإشهار مجرد عرض مسرحي بدون أي علاقة بالواقع؟

في النهاية.. هل ما زال الإشهار يستحق ثقتنا؟

مع استمرار هذا الأسلوب التسويقي، يصبح المستهلك أمام خيارين: إما التصديق الأعمى لكل ما يراه على الشاشات ولوحات الإعلانات، أو التحلي بالوعي النقدي وعدم الانجرار وراء المظاهر الخادعة. فهل نحن أمام عصر جديد من الدعاية التي تبيع الوهم أكثر من الحقيقة؟ وهل سيستمر المشاهير في بيع وجوههم لأي منتج دون مساءلة؟ التجارب وحدها تكشف إن كان هذا الاتجاه مجرد موجة عابرة، أم أنه أصبح القاعدة الجديدة للإشهار.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى

أنت تستخدم إضافة Adblock

أنت تستخدم اضافة Adblocks يجب تعطيلها.