مجتمع

الإضراب في المغرب: معركة مستمرة، ولكن أين كنتم يا رجال التعليم؟

ضربة قلم

الإضراب في المغرب: بين الحق الدستوري والجدل التشريعي

عندما نتحدث عن الإضراب في المغرب، فإننا لا نتحدث عن مجرد إجراء احتجاجي عابر، بل عن ممارسة دستورية وسياسية تلامس جوهر الحقوق الاجتماعية وتعكس تطلعات ملايين المواطنين، لا سيما في القطاعات التي تلعب فيها النقابات دورًا محوريًا، مثل التعليم والصحة والنقل. الإضراب في هذا السياق ليس مجرد حق مشروع، بل هو جزء من معركة مستمرة لتحسين ظروف العمل وحماية مكتسبات الأجراء. ومع ذلك، فإن الإشكاليات المرتبطة بالتنظيمات النقابية وقوانين الإضراب تظل موضع جدل دائم، مما يطرح تساؤلات ملحّة حول فعالية النقابات والحاجة إلى تشريعات تواكب التحولات الاجتماعية والاقتصادية.

القانون التنظيمي للإضراب: خطوة نحو التنظيم أم هروب من الواقع؟

حينما نضع قضية الإضراب في سياق المغرب اليوم، يبدو لنا أن المسألة أكبر من مجرد حق يطالب به العمال. إنها أكثر من احتجاجات على الأجور أو الظروف المهنية، بل هي جزء من معركة حيوية لتحصيل الحقوق والكرامة، خصوصًا في قطاع حيوي مثل التعليم. لكن السؤال الذي يفرض نفسه هنا: أين كنتم يا رجال التعليم عندما كان قانون الإضراب يمر بمراحله المختلفة؟ كيف غاب الصوت النقابي الفاعل عن هذه اللحظة المفصلية التي تؤثر على حقوقكم وحقوق الأجيال القادمة؟ وكيف يمكن للنقابات، التي يُفترض أنها تمثل مصالحكم، أن تبقى متفرجة أو غائبة عن الصراع الأكبر لتحديد معالم الإطار التشريعي الذي يمس حياتكم المهنية والمدرسة المغربية ككل؟

الرسالة هنا ليست مجرد تساؤل عابر، بل هي دعوة لإعادة النظر في العلاقة بين رجال التعليم والنقابات، ولفتح نقاش جاد حول دور هذه الأخيرة في الدفاع عن الحقوق والمكتسبات، ومدى قدرتها على مواجهة التحديات التي يفرضها الواقع الاجتماعي والاقتصادي.

غياب التنسيق النقابي: أين كانت النقابات؟

سؤال محوري آخر يفرض نفسه: أين كانت النقابات عندما كان القانون التنظيمي للإضراب يمر بمختلف مراحله التشريعية؟ يرى البعض أن النقابات اكتفت بموقف المتفرج، في حين كان يفترض بها أن تكون أكثر حضورًا وتأثيرًا داخل أروقة الحوار الاجتماعي، للدفع في اتجاه تحقيق مكاسب حقيقية للعمال.

في المقابل، طالبت بعض القيادات النقابية بالإسراع في إخراج مشروع القانون 24.19، المتعلق بالمنظمات النقابية، من “ثلاجة البرلمان”، وإعادة طرحه في إطار مقاربة توافقية ضمن مؤسسة الحوار الاجتماعي. هذا المطلب يكشف عن حاجة ملحة لإعادة النظر في كيفية تعاطي الحكومة مع الملفات النقابية، التي لا يمكن فصلها عن قضايا الحريات العامة والحقوق الاقتصادية والاجتماعية للأجراء.

الإضراب كحق: ضرورة تحديث التشريعات

لا شك أن العمل النقابي في المغرب يواجه تحديات متزايدة، خصوصًا في ظل القوانين التي تثير جدلًا مستمرًا بشأن “النقابات الأكثر تمثيلية” وآليات انتخابها. فرغم أن مدونة الشغل حاولت تنظيم المشهد النقابي، إلا أنها لا تزال قاصرة عن معالجة إشكالات أساسية تعيق الفعل النقابي على أرض الواقع. لذا، أصبح من الضروري مراجعة مدونة الانتخابات المهنية، وإعادة النظر في المراسيم المؤطرة للعمل النقابي، لضمان بيئة تنظيمية أكثر عدالة وفعالية.

تطوير هذه القوانين ليس مجرد إجراء تقني، بل هو خطوة أساسية نحو تمكين النقابات من أداء دورها بفعالية، وتعزيز قدرتها على التفاوض والدفاع عن حقوق العمال في مواجهة التحديات الاجتماعية والاقتصادية المتسارعة.

مستقبل النقابات في المغرب: نحو آفاق جديدة؟

إصلاح التشريعات المتعلقة بالحق في الإضراب والتنظيم النقابي يجب ألا يكون مجرد استجابة قانونية، بل رؤية استراتيجية تهدف إلى تحقيق توازن حقيقي بين حقوق الأجراء ومتطلبات التنمية الاقتصادية والاجتماعية. في هذا السياق، يقع على عاتق النقابات، خصوصًا في القطاعات الحيوية كالتعليم، مسؤولية مضاعفة لضمان حماية حقوق العمال، والتأثير في السياسات العمومية ذات الصلة.

لكن التحدي الأكبر يظل في كيفية إشراك جميع الفاعلين النقابيين، بمن فيهم النقابات غير الممثَّلة في الحوار الاجتماعي المركزي، لضمان أن تأتي التشريعات عادلة ومتوازنة، بما يخدم مصالح جميع الأطراف. فلا إصلاح حقيقي دون نقابات قوية، ولا عدالة اجتماعية دون تشريعات تحمي حقوق العمال وتضمن ممارسات نقابية شفافة وديمقراطية.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى

أنت تستخدم إضافة Adblock

أنت تستخدم اضافة Adblocks يجب تعطيلها.