الإضراب في غرفة الإنعاش: المحكمة الدستورية تطمئن الجميع أن الجنازة قانونية!

ضربة قلم
رغم كل “الزيطة والغيطة” التي ملأت الأجواء، وكأننا على مشارف ثورة عمالية تهز البلاد، استيقظ المغاربة صباح الخميس 13 مارس 2025 على خبر لم يفاجئ أحدًا: المحكمة الدستورية، بهدوء الجراح الذي يخبرك أن العملية نجحت والمريض توفي، صرّحت أن القانون التنظيمي رقم 97.15، الخاص بشروط وكيفيات ممارسة حق الإضراب، لا يخالف الدستور… لكن مع بعض “الملاحظات” التقنية هنا وهناك.
طبعًا، لم تحتج المحكمة إلى رفع الجلسة أو الدخول في نقاشات ماراثونية، لأن كل شيء كان محسومًا منذ البداية، فكيف لقانون وُلد من رحم توافقات عجيبة بين الحكومة والنقابات أن يكون مخالفًا للدستور؟ المسألة أشبه بحكم الأب على الشجار بين أبنائه: الجميع مخطئ لكن لا أحد سيعاقب، والبيت سيظل على حاله.
من الإضراب إلى الإضراب المشروط!
القانون الذي مرَّ بسلاسة عبر المحكمة يُذكّرنا بمسلسل درامي طويل، بدأ بإعلان وزارة التشغيل عن مشروع قانون “متوازن”، تلته خطب رنانة من النقابات التي هددت بـ”نضال لا هوادة فيه”، ثم جلسات الحوار الاجتماعي التي تشبه حفلات “الشاي والقهوة” أكثر مما تشبه مفاوضات جدية. وبعد كل هذا الضجيج، جاء الفصل الأخير: المحكمة الدستورية تخبر الجميع أن القانون سليم، مع تعديل بسيط لبعض المواد، فقط لكي لا يقال إن الأمور مرّت بدون “ملاحظات”.
المادة 1؟ تحتاج إلى “تنقيح”.
المادة 5؟ “يجب توضيحها”.
المادة 12؟ “فيها بعض الالتباسات”.
لكن، ماذا عن جوهر القانون؟ لا مشكلة! أي أن كل ما تم تعديله مجرد رتوش تجميلية على جثة الإضراب.
الإضراب: من حق دستوري إلى رخصة إدارية!
في الزمن الجميل، كان الإضراب قرارًا تتخذه النقابات، ويخوضه العمال كوسيلة للضغط، لكن في 2025 أصبح أشبه بإجراء بيروقراطي يتطلب تصاريح، وموافقات، وشهادات حسن سلوك. الفكرة بسيطة: إذا كنت تريد الإضراب، عليك أن تمر بسلسلة متاهات إدارية، وإذا أخطأت في ورقة واحدة، سيتحول الإضراب إلى “غياب غير مبرر” يؤدي إلى اقتطاع من الأجر وربما “إجراءات تأديبية”.
بعبارة أخرى، أصبح الإضراب يشبه طلب عطلة مرضية: عليك أن تُثبت أنك تستحقه!
النقابات: غضب مدروس وردود فعل خشبية
أما النقابات، فهي الآن في موقف غريب، فهي لا تستطيع التصفيق بحرارة لأن القواعد الشعبية قد تنتفض، لكنها أيضًا لا تستطيع الاعتراض بقوة لأنها “شريك اجتماعي مسؤول”. وهكذا، تخرج التصريحات المكررة:
- “نُسجل ملاحظاتنا!” (ولكن لن نفعل شيئًا).
- “سنواصل النضال!” (بلا تفاصيل).
- “سنلجأ إلى الحوار!” (نفس الحوار الذي أدى إلى هذا القانون أصلاً).
وفي النهاية، العمال سيعودون إلى معاملهم وإداراتهم، بعيون تحمل خليطًا من السخرية واليأس، وهم يدركون أن هذا القانون قد يكون القشة الأخيرة التي حوّلت الإضراب من سلاح إلى مجرد ذكرى جميلة عن زمن النضال الحقيقي.
إلى أين؟
المشهد باختصار: الحكومة تحتفل بـ”إصلاح تاريخي”، النقابات تتظاهر بالغضب، والمحكمة الدستورية تؤكد أن كل شيء على ما يرام، بينما المواطن البسيط يعرف الحقيقة المُرّة: لا شيء تغيّر، سوى أن الإضراب أصبح يحتاج إلى “رخصة”، وربما قريبًا، إلى “تحليل دم” يثبت حسن النية!