مجتمع

الاستقرار يبدأ من القمة: حين يصبح تطهير المناصب أكبر ورش للإصلاح

ضربة قلم

إذا كان الحديث عن الاستقرار في المغرب يتكرر كأحد المرتكزات الأساسية للدولة، فإن أكبر بنية تحتية لهذا الاستقرار ليست الطرقات ولا الموانئ، بل تطهير المناصب من كبار المفسدين الذين جعلوا من الإدارة المغربية بورصة مفتوحة للمناصب العليا، حيث يتحدد سعر “الكرسي” حسب حجمه، ومدى قربه من منابع القرار.

لقد بات واضحًا أن بعض المسؤولين لا يتقلدون المناصب لكفاءتهم، بل بفضل شبكة مصالح معقدة تحولت فيها “العمالات” و”الولايات” إلى إقطاعيات، يديرها سماسرة يتلاعبون بمستقبل المدن والأقاليم، كما يتلاعب تجار الأزمات بأسعار السلع الأساسية. فالفساد هنا لم يعد مجرد سلوك فردي، بل أصبح مؤسسة قائمة بذاتها، لها أذرعها التي تمتد إلى كل القطاعات الحيوية، من العقار إلى الصفقات العمومية، بل حتى إلى إدارة الانتخابات.

ما نشهده اليوم هو أن الفساد لم يعد يقتصر على الرشوة أو استغلال النفوذ، بل انتقل إلى مرحلة أكثر خطورة: الاتجار بالمناصب. وهذه الظاهرة، إن لم يتم التصدي لها بقرارات شجاعة، فإنها ستكون القنبلة الموقوتة التي تهدد الاستقرار الحقيقي. فالدول لا تنهار فقط بسبب الأزمات الاقتصادية أو الاحتجاجات الاجتماعية، بل تنهار حينما تتحول الإدارة إلى سوق مفتوحة، يُقصى فيها الكفء ويُكرم فيها الانتهازي.

هل نشهد إذن بداية مرحلة جديدة من المحاسبة الفعلية، أم أن الأمور ستستمر على حالها، حيث ينجو الكبار بجرائمهم، بينما يتم تعليق شماعة الفساد على صغار الموظفين والوسطاء؟ الجواب في قادم الأيام، لكن ما هو مؤكد أن المغرب لن يعرف استقرارًا حقيقيًا إلا بثورة حقيقية على الفساد في المناصب العليا، حيث يُعاد توزيع السلطة بناءً على الكفاءة وليس على حجم “الولاء” أو حجم الرصيد البنكي لمن يدفع أكثر.

إن الدفاع عن استقرار المغرب لا يعني الصمت عن الفساد، بل العكس تمامًا، فالاستقرار الحقيقي لا يُبنى على التسويات مع من ينهبون خيرات البلاد، بل على مؤسسات قوية يُحكمها القانون وليس المصالح الشخصية. لسنا ضد المؤسسات، بل نحن ضد من يحوّلها إلى إقطاعيات خاصة، وضد من يتاجر بالمناصب كما لو كانت عقارات معروضة للبيع. فالمغرب الذي نريده ليس بلدًا تُباع فيه المناصب لمن يدفع أكثر، بل وطنًا تُمنح فيه المسؤوليات لمن يستحقها، حيث يكون الولاء للوطن وليس للشبكات الخفية التي تتقاسم النفوذ في الظلام. فهل نشهد قريبًا عهدًا جديدًا من المحاسبة؟ أم أن نفس المسرحية ستُعاد بنفس الأبطال؟ الإجابة بيد من يملكون القرار… والتاريخ لا ينسى.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى

أنت تستخدم إضافة Adblock

أنت تستخدم اضافة Adblocks يجب تعطيلها.