سياسة

الانتهازيون في السياسة.. من التمسكن إلى التمكن فالتملُّك!

ضربة قلم

نعلم جيدًا أن السياسة لم تعد ذلك الميدان النبيل الذي يتبارى فيه أصحاب الفكر والرؤى، بل تحولت إلى سوق مفتوحة لمن يجيد فن التلون واللعب على الحبال. حين نقول إن السياسة ابتُليت بطوفان من الانتهازيين، فنحن لا نكشف سرًا دفينًا، ولا نطرح سبقًا صحفيًا، بل نُعيد تأكيد حقيقة ماثلة أمام الجميع، تتداولها العجائز على أرصفة الأحياء الشعبية كما يناقشها المثقفون في صالوناتهم المغلقة.

شتّان بين الطموح والانتهازية، بين من يسعى لتحقيق مشروع يخدم الناس، ومن يخطط للوصول إلى الكراسي بأقصر الطرق، ولو زحفًا على بطون المساكين. هناك فرق جوهري بين من يملك رؤية، ومن يرى في السياسة مجرد صفقة تجارية، تُدار بحسابات الربح والخسارة، وتُحسم بمن يدفع أكثر أو ينافق أسرع.

نحن نعرفهم جيدًا، أولئك الذين تسلقوا المناصب كما يتسلق اللبلاب جدران التاريخ، لا جذور لهم سوى المصالح، ولا أوراق سوى الشعارات الجوفاء. دخلوا من أبواب النضال، لكنهم كانوا يحملون في جيوبهم تذاكر سفر نحو وجهة أخرى تمامًا: وجهة الامتيازات والصفقات المضمونة. هؤلاء الذين كانوا بالأمس يتحدثون باسم الجماهير المسحوقة، صاروا اليوم يتحدثون بلغة “الأسهم” و”الاستثمارات”، و”المناصب” ويحتسبون خطواتهم بناءً على التقلبات السياسية، تمامًا كما يفعل المضاربون في البورصة.

تمسكنوا حتى تمكنوا، وما زالوا يتمسكنون حين تقتضي الضرورة، يلعبون أدوار القطط الطيّعة التي تستعطف أصحاب الموائد، تتظاهر بالجوع والحاجة، لكنها حين تنال نصيبها، تكشر عن أنيابها. يذرفون دموع التماسيح في الاجتماعات، ويتحدثون عن القيم والمبادئ، ثم يوقعون العقود تحت الطاولة ويدخلون في لعبة اقتسام الدعم. بل حتى حين يحرمهم الأطباء من بعض “الملذات”، تراهم يقاومون، فكيف لهم أن يستسلموا وهم الذين اعتادوا على ابتلاع كل شيء؟

أما أسوأ ما في الأمر، فهو أن هؤلاء لم يعودوا يكتفون بالمناصب التي حصلوا عليها بالغدر والخداع، بل يحلمون بما هو أكبر، كأنما يسري في عروقهم طموح جشع لا يرتوي، ورغبة نهمة في المزيد، حتى ولو كان الثمن هو بيع ما تبقى من المبادئ التي يدّعون حملها.

وهكذا، تستمر المسرحية، ويبقى الجمهور يصفق، ليس إعجابًا، بل لأن التصفيق هو الفعل الوحيد الذي لا يُحاسب عليه أحد في هذا البلد.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى

أنت تستخدم إضافة Adblock

أنت تستخدم اضافة Adblocks يجب تعطيلها.