البحر يبوح بأسرار الشمال: شحنة “الشيرا” تفضح سباق التهريب عبر المتوسط

ضربة قلم
لم يكن يوم الأمس عاديًا على شاطئ القصر الصغير.
فأمواج البحر التي اعتادها السكان هادئة في هذا الفصل، لفظت هذه المرة رزمًا ضخمة من مخدر الشيرا، كأنها رسائل مشفّرة من أعماق المتوسط تكشف عن سباق محموم بين شبكات التهريب الدولي وعين المراقبة الأمنية المغربية.
من البحر إلى التحقيق
فور تنبّه المواطنين الذين شاهدوا تلك الرزم تطفو على سطح الماء، استنفرت مصالح الدرك الملكي كل أجهزتها، محاصرة الشاطئ ومباشرة تحقيق ميداني دقيق لتحديد مصدر هذه الكميات ومسارها.
مصادر محلية رجّحت أن تكون الشحنة تخلّت عنها قوارب تهريب أثناء مطاردة في عرض البحر، سواء من قبل دوريات مغربية أو نظيرتها الإسبانية التي تنشط بشكل مكثف في محيط جبل طارق.
مسارات ظلّية
المعطيات الأولية تُثير القلق: الحديث يدور عن ممرات بحرية جانبية غير مراقبة بين منطقتي المنار وبليونش، تتحول في بعض الليالي إلى معابر آمنة لشحنات المخدرات في اتجاه الجنوب الإسباني.
هذه “الممرات الرمادية” تذكّر بسنوات سابقة كانت فيها سواحل الشمال تعرف انتعاشًا محمومًا لنشاط قوارب “الفانتوم” التي كانت تنقل أطنانًا من الشيرا في ظرف دقائق.
قراءة في المشهد
ما جرى بالقصر الصغير لا يمكن اعتباره حادثًا معزولًا، بل هو مؤشر على تجدد محاولات التهريب بعد فترات من الانكماش بسبب تشديد المراقبة البحرية.
إنه أيضًا إنذار مبكر بوجود ثغرات أمنية تستدعي معالجة لوجستيكية ومعلوماتية دقيقة، خصوصًا في الممرات الساحلية التي تمتد بين طنجة والفنيدق، حيث تتقاطع مصالح شبكات متعددة الجنسيات.
تعليق
حين يلفظ البحر “الشيرا”، فهو لا يكتفي بفضح المهربين، بل يكشف هشاشة الرقابة البحرية وتطور أساليب الجريمة المنظمة التي لم تعد تعتمد فقط على القوارب السريعة، بل على أساليب تضليل رقمية وأجهزة تتبع متطورة.
كما أن هذه الحوادث تطرح تساؤلات حول مدى تعاون الأجهزة المغربية والإسبانية في مكافحة تهريب المخدرات، وحول مدى فعالية التنسيق الاستخباراتي العابر للحدود.
ففي النهاية، تبقى سواحل الشمال، بكل ما تحمله من جمال طبيعي، واجهة صراع صامت بين القانون واللاّقانون، بين الموج الذي يطهر والرزم التي تفضح.



