دفاتر قضائيةسياسة

البرلمان خلف القضبان: نواب الشعب أم نواطير الفساد؟

ضربة قلم

في مشهد أقرب إلى السريالية السياسية، نجد أن بعض البرلمانيين، أولئك الذين من المفترض أن يكونوا حراساً للديمقراطية وصوتاً للمواطنين، قد تحولوا إلى نزلاء خلف القضبان، أو ينتظرون دورهم على أحرّ من جمر المحاكمات. المفارقة هنا ليست في أن القانون يطال الجميع، بل في أن هؤلاء المشرّعين، الذين أقسموا على خدمة الوطن، وجدوا أنفسهم في قوائم المطلوبين، لا بسبب مواقفهم السياسية، ولكن بسبب تورطهم في قضايا جنائية خطيرة، أبرزها تجارة المخدرات والفساد المالي وشراء الذمم الانتخابية.

برلمانيو الحشيش والكوكايين: تجارة مربحة تحت القبة

ليست هناك مبالغة حين نقول إن بعض البرلمانيين في المغرب، وعبر شبكة علاقاتهم ونفوذهم، انغمسوا في عالم تجارة المخدرات، مستغلين الحصانة البرلمانية للتهرب من المساءلة. كيف يعقل أن يكون المشرّع هو نفسه المهرب، والتاجر، والمُفسد؟ كيف يمكن لمن يسّن القوانين أن يكون أول من ينتهكها؟

إذا تأملنا بعض القضايا التي فجّرها القضاء، سنجد أن عدداً من المنتخبين المحليين والبرلمانيين تورطوا في شبكات لتهريب الحشيش عبر الموانئ، بل إن بعضهم تحولوا إلى “بارونات” مخدرات بحكم مناصبهم وسلطتهم التي مكنتهم من تفادي الرقابة الأمنية لفترة طويلة. ليس الأمر مجرد صدفة أو حالات معزولة، بل هو جزء من ثقافة سياسية قائمة على استغلال النفوذ.

صناديق الاقتراع أم أسواق النخاسة؟

كيف يصل أمثال هؤلاء إلى البرلمان؟ الجواب بسيط: المال. في كل موسم انتخابي، حيث تتحول بعض الدوائر إلى أسواق نخاسة سياسية، وتُشترى الأصوات بالجملة والمفرّق، ويصبح الفقير الذي طحنه الفساد نفسه شريكاً في إعادة إنتاج نفس المنظومة التي تسرقه كل يوم. لا نتحدث هنا عن مجرد “هدايا” انتخابية، بل عن عمليات شراء أصوات ممنهجة، يدفع فيها المواطنون ثمناً باهظاً لاحقاً من حقوقهم ومستقبل أبنائهم.

يتم إغراق الأسواق الانتخابية بأموال مشبوهة، بعضها يأتي من المخدرات، وبعضها من مشاريع فساد أخرى، والنتيجة هي برلمان لا يمثل الإرادة الشعبية، بل يمثل “المساهمين” في حملات انتخابية ممولة من عرق المقهورين. وفي النهاية، عندما يجد بعض النواب أنفسهم داخل السجون، فلا يجب أن نندهش، بل يجب أن نتذكر أن من أوصلهم إلى هناك هو نفس النظام الفاسد الذي جعل من السياسة مجرد سوق للمزايدة على مستقبل الشعب.

عندما تتحول الحصانة إلى درع للفساد

الحصانة البرلمانية، التي كان يفترض بها أن تكون وسيلة لحماية النواب من التعسف السياسي، تحولت في بعض الحالات إلى غطاء قانوني يحميهم من المساءلة. بل هناك من استغل الحصانة ليهدد رجال الأمن والقضاء، معتقداً أنه فوق القانون. ومع ذلك، بدأنا نرى في السنوات الأخيرة بوادر محاسبة ولو محدودة، حيث تم توقيف عدد من البرلمانيين، سواء بسبب الفساد الانتخابي، أو قضايا المخدرات، أو تبديد المال العام.

لكن السؤال الكبير الذي يبقى مطروحاً: هل يمكن تفكيك هذا النظام المتكامل من الفساد؟ هل ستستمر الدولة في نهج سياسة “اصطياد بعض الرؤوس” لامتصاص الغضب الشعبي، أم أننا أمام تحول جذري في التعاطي مع الجريمة السياسية والاقتصادية؟

بين الشعارات والواقع: هل من أمل؟

يعيش المواطن المغربي بين مطرقة الفساد وسندان الوعود الفارغة. في كل استحقاق انتخابي، تتكرر نفس الأسطوانة: محاربة الفساد، تجديد النخب، تعزيز النزاهة. لكن ما دام المال الأسود متغلغلاً في المشهد السياسي، وما دامت الأصوات تباع وتشترى، فستظل المؤسسة التشريعية تحمل بين جدرانها نواباً ليسوا سوى رجال أعمال في تجارة الولاءات والمصالح.

الحل لن يكون بإصلاح القوانين فقط، بل بتغيير ثقافة الانتخابات لدى المواطن نفسه. ما دام المواطن يقبل ببيع صوته بثمن بخس، وما دام المجتمع لا يُحاسب الفاسدين أخلاقياً قبل أن يحاسبهم القانون، فستظل نفس الوجوه تتكرر، ولو تغيرت الأسماء.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى

أنت تستخدم إضافة Adblock

أنت تستخدم اضافة Adblocks يجب تعطيلها.