البناء العشوائي في المحمدية: هندسة فوضوية بلمسة انتخابية

ضربة قلم
ها قد وصلنا إلى الحلقة الألف من مسلسل “البناء العشوائي”، هذا الإنتاج الضخم الذي يُعرض على مسرح الجماعات المحلية في مدننا العزيزة، حيث لا تحتاج إلى سيناريو معقد ولا إلى مؤثرات خاصة، فقط إلى بقعة أرضية و”التفاهم” مع الشخص المناسب.
القائد في ورطة… والمخزن يستيقظ متأخراً
بعد أن بلغ البناء العشوائي في سيدي موسى بن علي مستويات إبداعية غير مسبوقة، يبدو أن أحدهم قرر فجأة أن هناك قوانين في التعمير، ويا للعجب! هذا الاكتشاف العظيم لم يرق للبعض، فكان الحل الأسهل هو الاعتداء على القائد، وكأن “العشوائية” ليست في المباني فقط، بل حتى في تدبير الأزمات.
وهنا تتدخل وزارة الداخلية، أو لنقل، “تُظهر أنها تتدخل”، عبر إرسال لجنة للتحقيق في أسباب تفشي الظاهرة. لجنة، بالمناسبة، ستجد أمامها كل شيء واضحًا كالشمس: تجزئات نبتت كالفطر، منازل بنيت في الليل مثل الأشباح، وأزقة رسمت بخيال مقاولين هواة. لكن السؤال الذي لا تطرحه هذه اللجان أبدًا: كيف وصلنا إلى هنا؟
اللجنة التي ستكتشف الماء في البحر
نحن أمام مشهد كلاسيكي: لجنة “ستتفاجأ” بمدى انتشار البناء العشوائي وكأنها لم تكن تعلم بوجوده، وستخرج بتوصيات تقليدية من نوع:
✔ “ضرورة تفعيل المراقبة”
✔ “تعزيز الحكامة الجيدة”
✔ “محاسبة المتورطين” (لكن بعد فوات الأوان)
لكن لنكن صريحين، هذه ليست زيارة تفتيشية، بل زيارة مجاملة، أشبه بجولة سياحية بين أزقة الفوضى الإسمنتية، حيث سيستمتع أعضاء اللجنة بمشاهدة أحياء بكاملها بنيت في تحدٍّ صارخ لكل قوانين التعمير، وتحت أنظار المسؤولين الذين كانوا – على الأرجح – مشغولين بـ”أمور أخرى”.
موسم الهدم والمصالح الانتخابية
في الأشهر الأخيرة، انطلقت حملات الهدم، ربما لأن بعض المسؤولين قرروا فجأة أن تطبيق القانون ليس فكرة سيئة، أو ربما لأن الحسابات الانتخابية تغيرت. فمن المعروف أن البناء العشوائي ليس مجرد إسمنت ورمال، بل هو أداة انتخابية بامتياز، حيث تتحول “الرخص الشفوية” إلى عملة سياسية تضمن ولاء الناخبين.
لكن المشكلة أن الهدم يخلط الأوراق، ويُربك حسابات بعض المنتخبين الذين اعتادوا على تحويل التجزئات العشوائية إلى مصانع أصوات خلال كل موسم انتخابي. وهكذا، يصبح المشهد عبثيًا:
بناء بلا رخص؟ لا مشكلة!
هدم بعد أن يصبح الحي مكتملاً؟ أيضًا لا مشكلة!
وعود بإعادة البناء بعد الانتخابات؟ أكيد!
خاتمة: من التالي؟
في النهاية، سنشهد بضعة مشاهد درامية: غضب الساكنة، تصريحات المسؤولين التي تحمّل “أطرافًا مجهولة” المسؤولية، وتكرار نفس السيناريو بعد عام أو عامين. أما اللجنة الوزارية، فستعود إلى العاصمة بتقرير منمق، وستظل المحمدية وأخواتها على العهد، حيث يستمر البناء العشوائي كعلامة مسجلة لفن التعمير على الطريقة المغربية.
إلى اللقاء في الموسم القادم من “عشوائيات بلا حدود”!