مجتمع

البورطابل والصحافة.. حين تصبح التفاهة خبراً عاجلاً!

ضربة قلم

في زمن لم يعد فيه الحرف مقدسًا، ولم تعد المعلومة تُبحث، بل تُرتجل كما تُرتجل نكت المقاهي، ابتُليت الشعوب العربية – والمغرب نموذج ساطع – بثورة رقمية حوّلت كل من يحمل هاتفًا ذكياً إلى “صحفي متنقل”، بل وربما “محلل استراتيجي” يُصدر الفتاوى في كل المجالات من الاقتصاد إلى السياسة إلى علوم الفلك والطاقة النووية!

قبل هذه الطفرة العجيبة، كان الجسم الصحفي يعاني تسلل الشعراء إليه، فتقرأ مقالًا يشبه جلسة استحضار الأرواح: جمل متشابكة، تشبيهات ميتافيزيقية، ونصوص لا تعلم إن كانت تنعي الواقع أم تمدحه بغموض صوفي! لكن على الأقل، هؤلاء كانوا يعرفون كيف يُمسكون بالقلم، حتى وإن استخدموه بطريقة مربكة.

اليوم، لم يعد الأمر يحتاج إلى لغة، أو حتى إلى أبجدية. كل ما يلزمك هو “بورطابل” جيد، ووجه “عاجق” قادر على تسجيل فيديو بأي كلام، ثم نشره تحت عنوان مثير، وستجد آلاف المشاهدات والتعليقات، بعضها يناقش، وبعضها يضحك، والبعض الآخر يشتم، لكن الكل يستهلك!

هكذا، انقلبت الآية: لم يعد الصحفي يبحث عن الخبر، بل أصبح الخبر هو من يبحث عن صاحبه بين أصحاب “اللايفات”، حيث يبدأ البث بنداء مقدس: “مرحبا بكم أحبابي.. عندي ليكم خبر خطير!” ثم يلي ذلك سيل من الهذيان، فيه خليط من نظريات المؤامرة، وتأوهات الضحية المظلومة، ونظرات متكررة نحو شاشة الهاتف لقراءة التعليقات، التي بدورها تحوّلت إلى مصادر “ميدانية” للمعلومات!

الأسوأ أن هذا الجيش العرمرم من التافهين لا يكتفي بالتصوير، بل يصرّ على الانتماء لصاحبة الجلالة، وهي براء منهم براءة الذئب من دم يوسف. الفرق أن يوسف خرج من الجُب إلى الملك، أما نحن فقد دخلنا بئر الرداءة ولا أحد يمد لنا دلو النجاة!

ويبقى السؤال الأهم: إذا كانت الصحافة هي السلطة الرابعة، فماذا نسمي هذه الفوضى؟ سلطة التفاهة؟ أم ديمقراطية الجهل؟ الإجابة معلّقة في أثير اليوتوب، تنتظر أول “لايف” جديد ليحسمها!

 

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى

أنت تستخدم إضافة Adblock

أنت تستخدم اضافة Adblocks يجب تعطيلها.