مجتمع

التزوير النزيه في العمل النقابي

ضربة قلم

في قاموس العمل النقابي، حيث يُفترض أن يكون الدفاع عن الحقوق مبدأً لا يقبل المساومة، نشأت ظاهرة جديدة قديمة تُدعى “التزوير النزيه”. وهو مصطلح ساخر يصف ببراعة تلك الأساليب الذكية التي يتم بها الالتفاف على الديمقراطية الداخلية للنقابات، فتُنتج هياكل تمثيلية زائفة لا علاقة لها بمصالح العمال بقدر ما تعني بتحسين وضعية ممثليها الشخصية.

ومن أبجديات هذا “التزوير الناعم” تشكيل مجلس نقابي ينتمي إلى قبيلة “بني وي وي”، وهي تلك الفئة التي تتقن فن الموافقة المطلقة والانصياع التام دون نقاش. هؤلاء لا يُنتقون بالصدفة، بل هم جنود مجندة لتزكية مكتب نقابي يُسهل مهامه التفاوض مع الإدارة، لا من أجل تحقيق مكتسبات حقيقية للعمال، بل من أجل تسهيل ترقيات خاصة، أو تحسين أوضاع شخصية، أو حتى الظفر بإكراميات وعطايا تجعل النضال النقابي أكثر راحة ورحابة.

وهكذا تبدأ المسرحية، حيث يتحول النقابي من مدافع عن الحقوق إلى ساعي بريد بين الإدارة والعمال، يحمل لهم الفتات ويبيع لهم الوهم في اجتماعات مطولة، بينما تُدار في الخلفية صفقات الترضية وتوزيع الغنائم. ومع مرور الوقت، يكتسب بعضهم خبرة في “تمثيل” زملائهم، ليس فقط داخل المؤسسة بل في الانتخابات المهنية، مما يؤهله للقفز إلى الغرفة الثانية، حيث يصبح مناضلاً محترفاً في فن اقتناص الفرص.

أما العمل النقابي الحقيقي، ذلك الذي يُبنى على مبادئ الصدق والنزاهة، فيُترك لمن لا يزال يؤمن بأن النضال ليس وسيلة للترقي الاجتماعي. هؤلاء يُنظر إليهم على أنهم “سذّج” لم يدركوا بعد أن النقابة، في صيغتها الحالية، ليست سوى وسيلة ضغط تُدار بذكاء من أجل تحقيق مكاسب شخصية لا علاقة لها بمصالح الطبقة العاملة.

وهكذا يستمر مسلسل “التزوير النزيه”، في حلقة مفرغة من الاستغلال والانتهازية، بينما يبقى العمال في مواقعهم، يراقبون المشهد بمرارة، ينتظرون اليوم الذي تصبح فيه النقابة نقابة، لا نادياً مغلقاً للمنتفعين.

إذ لا نعمم، فهناك دائمًا مناضلون حقيقيون يؤمنون برسالة العمل النقابي النزيه.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى

أنت تستخدم إضافة Adblock

أنت تستخدم اضافة Adblocks يجب تعطيلها.