التعليم بين مطرقة النقابات وسندان الحكومة: مسرحية بلا جمهور!

ضربة قلم
يبدو أن النقابة الوطنية للتعليم قررت أن تلعب دور “حصان طروادة” في مواجهة الطاحونة الحكومية، لكن السؤال الحقيقي: هل ستبقى هذه المطالب مجرد زوابع في فنجان بيروقراطي مثقوب، أم أن الشغيلة التعليمية ستشهد يومًا “فتحًا مبينًا” على يد النقابات؟
عندما تصبح المطالب الإصلاحية ترفًا في دولة تقشفية
أولًا، دعونا نعترف بشيء بسيط: الحديث عن إصلاح التعليم في هذه البلاد يشبه الحديث عن إعادة إحياء الديناصورات، نظريًا ممكن، عمليًا مستحيل! فالنقابة، تلك التي “تهدر دم” ممثليها الموقعين على إدانات رفاقهم، يبدو أنها اكتشفت فجأة أن المدرسة العمومية لم تعد مجانية، وأن الأساتذة المضربين يُعاقبون بالاقتطاع وكأنهم ارتكبوا جريمة في حق “موازنة الدولة”. أما العاملون في التعليم الأولي، فهم لا يزالون خارج حسابات أي إصلاح حقيقي، في انتظار معجزة لا تأتي إلا على ظهر وعود انتخابية موسمية.
الأساتذة المتعاقدون: العبيد الجدد في زمن الوظيفة المؤقتة
ملف “التعاقد”، تلك المصيبة التي أرادوا أن يجعلوها بديلاً عن التشغيل العمومي، لا يزال معلقًا بين المراوغات الوزارية والمناورات النقابية. النقابة تصرخ: “الإدماج الفوري!”، والحكومة ترد: “لا تسألوا عما لا نملك!”، والنتيجة؟ جيش من الأساتذة يعيشون حالة من “الهشاشة الوظيفية”، يتحولون إلى مقاتلين يوميين ضد الفقر، الإذلال، والتخبط الإداري، وكل هذا تحت شعار “تجويد المنظومة التعليمية”.
سرقة الأجور: لصوصية مقننة أم سياسة تقشفية؟
النقابة تطالب باسترجاع الأموال المقتطعة، لكن السؤال هنا: لماذا تقتطع الدولة من رواتب المعلمين؟ هل أصبح الإضراب جريمة تعادل السرقة؟ هل الدولة تُعاقب موظفيها لأنهم مارسوا حقهم المشروع في الاحتجاج؟ وإذا كان الأمر كذلك، فهل يجب على الأساتذة أن يطالبوا هم أيضًا بـ”اقتطاعات معاكسة” من أجور المسؤولين الذين يضيعون الوقت في الوعود والتسويف؟
إصلاح التعليم: كذبة الموسم أم مزحة سيئة؟
كلما سمعنا عبارة “إصلاح المنظومة التعليمية”، نعرف أن المقصود هو: مزيد من القرارات الفوقية، المزيد من الهروب إلى الأمام، والمزيد من تحميل الأساتذة مسؤولية فشل نظام تعليمي بأكمله. الحقيقة أن الإصلاح الحقيقي يحتاج إلى رؤية جذرية تضع المعلم في صلب العملية، لا أن تجعله الحلقة الأضعف في السلسلة. ولكن، من يهتم؟ فالرهان الحقيقي ليس على تعليم قوي، بل على تعليم يُنتج جيلاً مطيعًا، بلا وعي، بلا طموح، وبلا قدرة على قول “لا”!
نهاية الحكاية: غبار دون عاصفة؟
البلاغ النقابي، رغم نبرته النضالية، يظل مجرد ورقة في مهب رياح التواطؤ الحكومي والنقابي. الأساتذة لا يريدون بيانات، بل حلولاً. لا يريدون مؤتمرات، بل قرارات. لا يريدون تعاطفًا، بل أفعالاً. ولكن في بلدٍ أصبحت فيه المدرسة العمومية مشروعًا للاستثمار، والمطالب العمالية مجرد ضجيج مزعج، لا يمكننا إلا أن ننتظر الفصل القادم من هذه المسرحية العبثية، حيث النقابات تصرخ، والحكومة تتثاءب، والتعليم ينهار… على رؤوس الجميع!