اقتصاد

التفاوض، الطاقة، والمعادن النادرة: حين يُعاد رسم العالم في صمت

عودة تحليلية بعد مستجدات يونيو الساخنة

بقلم: محمد كزاوي

تذكير

تطرقنا في مقال سابق إلى طبيعة التفاوض الدولي بشأن القضايا الحساسة، وعلى رأسها الملف النووي الإيراني، والدور الخفي الذي تلعبه القوى الكبرى في التحكم بموارد الطاقة والمعادن الحيوية. لكننا نعود اليوم إلى هذا الموضوع لأسباب طارئة ومحينة فرضتها الضربات الأميركية الأخيرة في 21 يونيو 2025، وردود الفعل الدولية المتباينة، وتصاعد وتيرة التوتر الجيوسياسي في منطقة الشرق الأوسط وآسيا. كما أن انكشاف بعض التفاهمات الضمنية حول تصدير النفط والمعادن، وظهور تصريحات دبلوماسية حساسة، جعل من الضروري إعادة فتح هذا الملف بمنهج تحليلي جديد، يدمج ما سبق بما جدّ من تطورات.

1. التفاوض في الملفات الكبرى: صبرٌ طويل ومسارات متعددة

في عالم السياسة الدولية، لا يُقاس النجاح بالصوت المرتفع، بل بمدى القدرة على إدارة الملفات الحساسة بأناةٍ ومرونة. التفاوض في القضايا الكبرى، كالمسألة النووية الإيرانية، يتطلب نفسًا طويلاً، واستخدامًا متوازنًا لكل أدوات الدبلوماسية: من الضغوط الاقتصادية، إلى التلميحات العسكرية، مرورًا بالممرات الخلفية للوساطات. فما يبدو جمودًا على السطح، يخفي في العمق سباقًا دبلوماسيًا شديد السرعة والتعقيد.

قال وزير الخارجية الأمريكي أنتوني بلينكن في 15 يونيو 2025: “التفاوض مع إيران يتطلب نهجًا طويل الأمد وتقديرًا دقيقًا لكل خطوة، فالنتائج السريعة لا تصلح في الملفات النووية.” [مصدر: مجلس الأمن، 15 يونيو 2025]

2. تصدير الطاقة إلى الصين: صمت أمريكي مدروس

رغم العقوبات، تواصل إيران تصدير أكثر من 1.7 مليون برميل يوميًا إلى الصين.

تقرير رويترز – 19 يونيو 2025: “إيران تواصل تصدير النفط إلى الصين بكميات كبيرة رغم العقوبات الأميركية.”

الولايات المتحدة، رغم تشديد العقوبات، لا ترغب في انهيار كلي للاقتصاد الإيراني، كما أن منع هذه الصادرات قد يُضر بالعلاقة الدقيقة مع بكين.

3. المعادن النادرة: الورقة الأمريكية الدقيقة

تشير تقارير دولية متطابقة إلى أن واشنطن وبكين توصّلتا إلى تفاهم غير معلن يضمن استمرار تدفق المعادن الأرضية النادرة الضرورية للصناعات الدفاعية.

مصدر: Reuters – يونيو 2025

السيطرة على هذه الموارد جزء من معركة أكبر حول سلاسل التوريد العالمية، تتجاوز حدود النزاع النفطي أو النووي.

4. روسيا: اللاعب الصامت الذي يراكم المكاسب

تُفضّل روسيا اليوم البقاء في موقع المتفرج الحذر، مراكمة النفوذ من خلال تحالفاتها في سوريا وأفريقيا وآسيا الوسطى.

تصريح روسي – Time Magazine، 18 يونيو 2025: “العالم على بُعد ميلليمترات من كارثة نووية.”

5. الاختلاف التاريخي في الرد الروسي على إيران

قبل سقوط نظام الأسد، كانت موسكو تحذّر بقوة من أي ضربة على إيران:

> لافروف، 2012: “أي هجوم عسكري على إيران سيكون له عواقب كارثية على الشرق الأوسط.”

بعد 2020، روسيا تُدين الضربات، ولكنها تلتزم خطابًا دبلوماسيًا معتدلاً:

بيان الخارجية الروسية، يونيو 2025: “ضربات أميركية تُعد انتهاكًا صارخًا للسيادة الإيرانية.”

6. ضربات 21 يونيو: الرسالة الأميركية الجديدة

بيان رسمي – البيت الأبيض، 21 يونيو 2025: “الضربات تهدف إلى منع امتلاك إيران للسلاح النووي، ولا ترمي إلى تغيير النظام.”

7. ردود الفعل الدولية:

روسيا: إدانة ودعوة للحوار.

الصين: قلق واستعداد للوساطة.

إسرائيل: دعم مباشر للضربات.

دول الخليج: دعوات لخفض التصعيد.

الأمم المتحدة: مناشدة لوقف العنف.

8. التأثير الحقيقي على النفط والتجارة:

اضطرابات في سلاسل الشحن البحري.

ارتفاع أسعار النفط.

ضغوط على دول الجوار مثل العراق ولبنان.

نزوح مدني وتضخم اقتصادي.

[مصادر: Bloomberg، IEA، Middle East Monitor – يونيو 2025]

9. التأخير في المشروع النووي الإيراني

تقارير The Times وReuters (يونيو 2025): الضربات الأميركية أحدثت أضرارًا تُؤخّر البرنامج الإيراني بين عدة أشهر إلى عامين، وفقًا لمستوى إعادة البناء والتخصيب.

10. فرصة ابتكار تقنيات كشف نووي

الذكاء الاصطناعي يحلل صور الأقمار الصناعية.

الاستشعار الكمي يُتوقع أن يُحدث ثورة في كشف المنشآت المدفونة.

مشروع “Sentient” الأميركي يدمج الذكاء الاصطناعي مع البيانات الفورية.
مصادر: ScienceDirect، The Bulletin of Atomic Scientists، Defense One، NRO 2025

“إذا كانت الأسلحة النووية تُخزن تحت الأرض، فإن الذكاء الاصطناعي اليوم يبدأ بتقويض سرّيتها من السماء.”

11. المستجدات الدبلوماسية حتى 23 يونيو 2025:

لقاء بين بوتين ووزير الخارجية الإيراني.

تحذير IAEA من تدمير خطير في منشآت فوردو.

مبادرة أوروبية بقيادة فرنسا وألمانيا.

تصريحات إيجابية من واشنطن حول التفاوض.

باكستان والصين تدعوان إلى الوساطة السلمية.

خاتمة تحليلية:

ليس ما يجري الآن صراعًا فوضويًا، بل هندسة معقّدة لإدارة التوتر، تُوزّع فيها الأدوار بصمت. التأخير في البرنامج النووي يمثل فرصة ثمينة ليس فقط للرقابة، بل لإعادة النظر في توازن القوى العالمي. إنه سباق أعصاب على رقعةٍ نووية، حيث الصمت أبلغ من الانفجار.

المراجع:

1. خطاب بلينكن – مجلس الأمن، 15 يونيو 2025

2. تقرير رويترز – 19 يونيو 2025

3. تقارير المعادن – Reuters، يونيو 2025

4. Time Magazine – 18 يونيو 2025

5. لافروف – مؤتمر صحفي 2012

6. وزارة الخارجية الروسية – يونيو 2025

7. البيت الأبيض – 21 يونيو 2025

8. Bloomberg، Middle East Monitor، IEA، Le Monde، NRO، Defense One، وغيرها – يونيو 2025

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى

أنت تستخدم إضافة Adblock

أنت تستخدم اضافة Adblocks يجب تعطيلها.