التمثيل في المغرب: بين الإلحاح والموهبة وجبر الخاطر

ضربة قلم
في المغرب، كما في العديد من البلدان، لم يعد الطريق إلى التمثيل يمر دائمًا عبر بوابة الموهبة أو الجهد المضني. هناك مسارات بديلة، بعضها يعتمد على الإلحاح المفرط، والبعض الآخر على علاقات في الكواليس، بينما تبقى فئة قليلة من العصاميين الذين صنعوا أنفسهم بعرق الجبين وإصرار الموهبة. فما الذي يحدث خلف ستار هذا العالم؟
من “الإلحاح” إلى الشاشة: حين يصبح الإصرار بطاقة عبور
هناك مقولة مغربية شهيرة: “اللي لحّ لحّ”، أي أن الإلحاح وحده قد يفتح الأبواب، حتى تلك التي لا تستحق أن تُفتح. وقد باتت هذه الفلسفة إحدى الوسائل التي قادت الكثيرين إلى الشاشة، ليس بالضرورة لأنهم يملكون موهبة استثنائية، ولكن لأنهم ببساطة لم يتوقفوا عن طرق الأبواب.
تجد هؤلاء في كل ورشة، في كل تجربة أداء، يترددون على مواقع التصوير حتى لو لم يكن لديهم مشهد واحد، يرسلون سيرهم الذاتية لكل مخرج ومنتج، ويقبلون بأدوار هامشية فقط ليُقال إنهم “مثلوا” في عمل سينمائي أو تلفزيوني. مع الوقت، يصبح وجودهم أمرًا واقعًا، ويجد المخرج نفسه مضطرًا إلى منحهم فرصة، ربما لإزاحتهم من طريقه أو مجاملة لأحد المنتجين.
النتيجة؟
أسماء تتكرر في الأعمال الدرامية دون أن تقدم أداءً مقنعًا، وأحيانًا تتحول إلى نجوم بين ليلة وضحاها لمجرد أنهم استمروا في المشهد طويلاً بما يكفي ليصبحوا جزءًا منه.
التمثيل بالوجاهة والعلاقات: من فرضت نفسها ومن فرضوها؟
إذا كان الإلحاح وسيلة، فالعلاقات وسيلة أسرع وأقصر. لا أحد ينكر أن المجال الفني، كغيره من المجالات، يخضع لقواعد غير مكتوبة تتحكم فيها دوائر النفوذ والمصالح. وهنا يأتي دور “جبر الخاطر”، حيث نجد أسماء تظهر فجأة في أعمال كبيرة دون أن يكون لها مسار معروف أو خبرة تبرر وجودها.
قد يكون السبب صداقة مع المخرج، علاقة عائلية مع منتج، أو حتى اتفاقات غير مرئية تُعقد بين الأسماء الكبيرة لتمرير بعض الوجوه الجديدة مقابل خدمات متبادلة. هناك ممثلات لم يكن لهن أي تجربة سابقة، لكن علاقاتهن سمحت لهن بالظهور في أدوار رئيسية وكأنهن ولدن نجمات. وهناك ممثلون فرضوا أنفسهم ليس بموهبتهم، بل لأنهم كانوا في المكان الصحيح مع الأشخاص المناسبين.
النتيجة؟
وجود أسماء لا تملك الكاريزما ولا الأداء ولا حتى الحد الأدنى من مقومات التمثيل، لكنها تستمر في الحضور، بينما يبقى أصحاب المواهب الحقيقية ينتظرون فرصًا لا تأتي أبدًا.
العصاميون: القلة التي صنعت مجدها بجهدها
في مقابل هؤلاء، هناك فئة نادرة من الممثلين الذين دخلوا المجال من باب الشغف والاحتراف، وليس من باب الإلحاح أو الوجاهة. هؤلاء هم الذين صنعوا أسماءهم ببطء، خطوة بعد خطوة، عبر تقديم أدوار متميزة تركت أثرًا في ذاكرة الجمهور.
يمكن أن نذكر هنا أسماء من رواد المسرح المغربي الذين بدأوا من الصفر، تنقلوا بين الفرق المسرحية، عملوا في الظل لسنوات قبل أن يحصلوا على فرصة في السينما أو التلفزيون، وعندما حصلوا عليها، أبدعوا وترسخوا في وجدان الجمهور. هؤلاء لا يعتمدون على العلاقات ولا على المجاملات، بل على أداء يأسر المشاهد، وتجسيد متقن للشخصيات يجعل من المستحيل تجاهلهم.
لكن للأسف، هذه الفئة الأقل حضورًا في المشهد الحالي، لأنها تفتقر إلى دعم الوسط الفني الذي أصبح في كثير من جوانبه قائمًا على العلاقات أكثر من الموهبة.
إلى أين؟
إذا استمر المشهد على هذا الحال، فسنجد أنفسنا أمام صناعة سينمائية وتلفزيونية لا تعكس حقيقة الإبداع المغربي، بل تحكمها المصالح الشخصية والعلاقات الضيقة. وهنا يطرح السؤال نفسه: هل نحن بحاجة إلى إعادة تعريف معايير القبول في المجال الفني؟ وهل على الجمهور أن يكون أكثر وعيًا في تقييم الأعمال واختيار النجوم الذين يستحقون فعلاً أن يكونوا نجوماً؟
في النهاية، الفرق بين النجم الحقيقي والنجم المصطنع يظهر بوضوح مع الزمن. الأول يترك أثرًا طويل الأمد، والثاني يتلاشى سريعًا بمجرد أن تتغير العلاقات والمجاملات.