اقتصادفن وثقافة

الثقافة: ركيزة الوعي والذوق في بناء المجتمع

ضربة قلم

محمد رياض

أستاذ التعليم الثانوي التأهيلي

كاتب مهتم بقضايا التربية والتعليم

الثقافة ليست ترفا أو مجرد معارف نظرية يكتسبها الفرد، وهي ليست امتيازا وخاصية وقفا على المثقف، إنها ضرورة حياتية تشكل وعي الإنسان ووجدانه ورؤيته للحياة وعلاقته بالواقع والإنسان، وهي بذلك أيضا أسلوب حياة تعكس ما يحمله هذا الفرد من قيم وأخلاق ومعارف وخبرات تشكل وعيه ووجدانه وتحدد مواقفه وتصوراته وتطلعاته وعلاقاته بالحياة في جل مظاهرها وصورها.

إن الحاجة إلى ثقافة نحيا بها نابعة من كونها الركيزة الأساس في بناء المجتمع وتماسك أفراده ورسم المكانة الجديرة به بين المجتمعات والأمم. فبدون ثقافة حقيقية تنبثق من خصوصية المجتمع وتتلاءم مع تحديات العصر وقيم الحضارة والعقل والعلم، يصبح الإنسان كائنا تائها بلا هوية أو اتجاه، فالثقافة تمنحنا القدرة على فهم ذواتنا وتفسير واقعنا وتحديد سلوكنا ومواقفنا وأذواقنا وتدفعنا إلى السعي الدؤوب نحو التغيير الإيجابي المنشود.

لقد بتنا نعاين كل يوم مشاهد أفراد يفتقدون إلى البوصلة التي توجههم في الحياة، ويفتقرون إلى وعي ثقافي يصحح اختلالاتهم النفسية وأعطابهم الاجتماعية وما لذلك من تبعات وآثار على الذوق والسلوك العام.

إن أحد أبرز تجليات هذه الثقافة وهي تلك الحصانة التي تمنحها لأصحابها ضد التفاهة والابتذال والتطرف وانعدام المسؤولية، وهي علاقتها بالذوق، فالذوق انعكاس للوعي الثقافي الذي يوجه اختيارات الفرد في ملبسه وحديثه وذوقه الفني وعلاقته بالناس والبيئة والمحيط الاجتماعي الذي يعيش فيه ،وفي سلوكه اليومي.

إن الثقافة بذلك تربي الذوق وتجعله أداة للارتقاء بالسلوك والوعي الذي يقود إلى حب الخير وتقدير الجمال في كل مواطنه. والذوق، كما يقول أحمد أمين في كتابه ” إلى ولدي ” : ” عمل في ترقية الأفراد والجماعات أكثر مما عمل العقل، فالفرق بين إنسان وضيع وإنسان رفيع ليس فرقا في العقل وحده، بل أكثر من ذلك فرق في الذوق. ولئن كان العقل أسس المدن ووضع تصميمها فالذوق جملها وزينها”.

إن المؤسسات التربوية والثقافية والفنية وأولها الأسرة لها دور هام في تعزيز الوعي الثقافي وتربية الذوق، فهي القنوات المؤهلة أكثر من غيرها لنشر قيم الخير والجمال والارتقاء بالذوق وتوسيع آفاق الحس الجمالي لدى الأفراد وداخل المجتمع، وإذا قصرت في أدوارها انتشرت مظاهر القبح بكل ألوانها في أوصال المجتمع و تبدت في الذوق والسلوك.

إن مظاهر القبح التي يعج بها واقعنا هي انعكاس لغياب أو فقر في الوعي الثقافي والذوق الجمالي لدى بعض العامة والمسؤولين على السواء، فلو حضر لديهم هذا الوعي لرأينا الخير والجمال والنظام يسكن في كل مكان وموقع وزمان. ويضيف أحمد أمين بهذا الصدد في حديثه عن تربية الذوق قائلا : ” فأنت إذا رأيت الشوارع لا منظمة ولا نظيفة، والأمور الصحية مهملة لا يعنى بها.. أو رأيت معاملة الناس بعضهم بعضا جافة سيئة، تحدث ضوضاء وجلبة.. ورأيت العداوة والحقد والخصومة بين رجال الأحزاب السياسية، أو رأيت رجال الحكومات تعنى بمناصبها أكثر مما تعنى بمصالح رعيتها، فاعلم أن منشأ ذلك فقدان الذوق الرفيع”، والافتقاد إلى الذوق الرفيع بكل مظاهر القبح والعنف والفوضى والتفاهة والتخريب وخرق القوانين التي يتبدى بها في الواقعين الحقيقي والافتراضي هو المظهر الأبرز والقبيح للافتقاد إلى القيم الأصيلة والوعي الثقافي.

ولذلك، فإننا في حاجة إلى ثقافة حقيقية نحيا بها وتسكن وجداننا ووعينا، وتُحيي فينا دوما قيم الحب والخير والجمال.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى

أنت تستخدم إضافة Adblock

أنت تستخدم اضافة Adblocks يجب تعطيلها.