الجار صار خصمًا: عن زمن الحسد والهوائيات المشحونة بالبغضاء!

ضربة قلم
ذات زمن، كان الجار قبل الدار. وكانت الجيرة عقدًا اجتماعيًا غير مكتوب، أقوى من كثير من القوانين.
اليوم؟ نعيش مرحلة “الجوار المشروط”: إذا لم تكن تشبهني، أو تؤيدني، أو تسكت عني… فأنت خصم محتمل.
في الأحياء الشعبية، حيث يُفترض أن “الدرب كيعرف بعضو”، تحوّلت العلاقة من العشرة إلى المراقبة، من المودة إلى المنافسة، ومن السلام إلى الصمت المشحون. الجارة لم تعد تُقرع بابها للاستعارة، بل للتشكيك. والجار إذا تغيّب، لا يُسأل عنه إلا إن صدر منه إزعاج.
وفي الأحياء الراقية؟ المشهد نفسه، لكن بربطة عنق. الجدران العازلة للصوت تعزل أيضًا المشاعر. الناس يعيشون متجاورين، لكنهم متباعدون وجدانيًا، كما لو أن الطوابق مصمّمة لتفصل الأرواح، لا فقط الشقق.
أنانية بطعم الحسد
لم تعد الأنانية مجرد سلوك، بل تحوّلت إلى نمط حياة.
الناس لا تفرح لك، بل تتحسس جيبها حين تسمع أنك بخير.
نجاحك يُربكهم، وفرحك يوقظ فيهم مرارات دفينة.
ترمم البيت؟ يتحدثون عن قرض بنكي. تنجح في امتحان؟ يتحدثون عن “المعرفة”.
وإذا أصبت بمصيبة؟ هنا فقط يصبح الجيران “كالعائلة”، يُواسونك بدعاء مشبوه:
“الله يصبرك… ولكن رَاه كاين شي دروس في هاد المصيبة!”
الحسد… سمّ على شكل سؤال
أخطر أنواع الحسد اليوم هو الحسد المغلف بـ”الفضول الاجتماعي”:
فين خدام؟
شحال كتدخل؟
كيفاش داير تْعيش بهاد المستوى؟
أسئلة ظاهرها البراءة، وباطنها جهاز إنذار داخلي: هل سبقني؟ هل تفوق عليّ؟ هل يجب أن أُطفئ نوره لأستريح؟
الجيران في زمن الصمت
كم من جيران لا يعرفون أسماء بعضهم؟
كم من أطفال لا يُسمح لهم باللعب في الزنقة لأن “الجار معصّب”، وهذا حق طبيعي..
كم من خصام بدأ بسبب غسالة، وانتهى بقطع السلام؟
نعيش اليوم في “مباني اجتماعية”، لكن من دون مجتمع حقيقي.
هل من أمل؟
نعم، الجيرة لا تزال بخير… لكنها تحتضر.
في بعض الأحياء، لا زال هناك من يُرسل طبقًا في رمضان، أو يسأل عند الغياب، أو يسهر في حالة طارئة.
لكن هؤلاء أصبحوا الاستثناء، لا القاعدة.
إذا أردنا استعادة حرمة الجوار، نحتاج إلى:
تربية جديدة تعيد الاحترام والنية الطيبة إلى الواجهة.
وعي بأن الحسد لا يحرق إلا صاحبه.
بناء علاقات على أساس القرب الإنساني، لا المصلحة المؤقتة أو المقارنة المستمرة.