مجتمع

الحماية الاجتماعية في المغرب… ملحمة فانتازيا بطابع مغربي

ضربة قلم

في بلاد المغرب الأقصى، حيث الشمس تسطع بلا رحمة، والشتاء يأتي كضيف ثقيل ثم يرحل فجأة، وقّعت الدولة مع البنك الدولي صفقة بمبلغ ضخم – 250 مليون دولار – لدعم الحماية الاجتماعية.
لكن، وبما أن المواطن المغربي صار قارئًا نهمًا لبلاغات الحكومات السابقة، لم يعد يثق في الأرقام مهما كانت مثيرة، بل أصبح يسأل بلغة بسيطة:

“واش الحماية الاجتماعية تعني يكون عندي سقف؟ ولا غير قبّة ديال التصريحات؟”

250 مليون دولار… فين مشات؟

بمنطق البسطاء: “إلا خذينا 250 مليون دولار، وخا نقسموها على كلشي، خاص يكون عندنا على الأقل طبيب في كل دوار، ودواء في كل صيدلية، وخدمة ديال الضمان الاجتماعي اللي ماشي خاصك تدخلها بالعلاقات”.
لكن الواقع أن الحماية الاجتماعية عندنا أقرب إلى فستان زفاف في بلدة فقيرة: كاين فالكاطالوگ، لكن ما يلبسوه غير فالتصاور.

الطبقة الفقيرة… محترفو البقاء

المغاربة، وتحديدًا الفئة التي يُفترض أن تشملها هذه “الحماية الاجتماعية”، أصبحوا أبطالًا في فنون البقاء:

  • فن المقايضة: في الأسواق الشعبية، ترى شخصًا يفاوض على بيضتين مقابل حفنة دقيق، وكأنهم يتعاملون بعملة قَبَلية قديمة.
  • فن التفاوض مع الحراس: الأب المغربي يقف أمام باب المدرسة، لا ليطلب المساعدة الدراسية، بل ليترجّى الحارس أن يجد لابنه مكانًا وسط قسم مكتظ بـ47 تلميذًا ونافذة لا تُغلق.
  • فن البكاء أمام الكاميرات: الأم، الجدة، الأرملة، وحتى الشاب، يتقنون لغة الدموع في تقارير التلفزة الوطنية، عسى أن يشفق عليهم أحد أو تمر صورهم على لجنة برلمانية ناعسة.

بطاقة راميد… السلاح السري الذي لا يشتغل

بطاقة “راميد”، التي من المفترض أن تكون تذكرة المواطن إلى العلاج المجاني، أقرب إلى بطاقة يانصيب: إما تُقبل في المستشفى، أو يقول لك الطبيب: “راه النظام طاح، سير رجع غدّا“.

المواطن يقف أمام مكتب الاستقبال، يمدّ البطاقة بحذر، كمن يسلّم قنبلة زمنية، ثم يبدأ الموظف في التنقيب في شاشة الكمبيوتر العتيق، ويهمس:

“هادي ما خداماش دابا، خاصك تعاود التسجيل فالمنصة، وجيب معاك بطاقة تعريف أمّك، وأبيك، وتصريح بالشرف، وتحليلات دمك وعقلك”.

الحماية الاجتماعية في النسخة المغربية: ضريبة الألم

بعض الدول تفرض ضريبة على الكماليات، في المغرب نفرض ضريبة على المعاناة.

  • إذا كنت مريضًا، ستدفع بصحتك.
  • إذا كنت أمًّا عازبة، ستدفعين بكرامتك.
  • إذا كنت متقاعدًا، ستدفع بصبرك.
  • وإذا كنت معاقًا… ستدفع في الطوبيس، رغم أن القانون يقول العكس. بل حتى شهادة الفقر، تفرض في كثير من الأحايين مبلغ 20 درهما.

مظلة في عزّ الصيف؟ لا، مظلة ضدّ المطر ماشي ديالنا

حين تحدّثت الدولة عن “مظلة اجتماعية”، ظن المواطن أنها ستحميه من تقلبات الأسعار، من تكاليف العلاج، من كوارث الشغل الموسمي.
لكن مع الأيام، اكتشف أن المظلة لم تكن له، بل لعدد محدود من المحظوظين الذين يعرفون “أش من خانة تْدخل“.

قانون الحماية الاجتماعية: كُتب بحروف من ذهب… لكن لم يُطبَّق بحرف

جاء القانون، وتكلم الوزير، وصوّت البرلمان، وابتسمت الشاشات.
لكن المواطن ما زال في نفس الحلقة المفرغة:

  • تسجل في المنصة؟ ما خداماش.
  • تطلب شهادة استحقاق؟ خاصك تجيب الوثائق من 3 جماعات.
  • تتصل بخدمة الزبناء؟ كيجاوبك روبو: “أعد المحاولة لاحقًا“.
  • تسأل جارك؟ يقول ليك: “أنا مسجّل ولكن ما عمر شي حد عيط عليّ“.

الحماية الاجتماعية… ديكور انتخابي؟

البعض يرى أن هذه الخطط العظيمة مجرّد سيناريوهات هوليودية تُستعمل عند الاقتضاء: موسم الانتخابات، زيارة مسؤول أجنبي، أو لحظة احتقان شعبي.
تُقال فيها كلمات من قبيل:

  • “العدالة المجالية”
  • “الكرامة”
  • “الولوج للخدمات”
    لكن حين تنتهي المناسبة، تعود الأمور إلى سطر: “يرجى الانتظار…”

الخاتمة: المواطن المغربي لا يُحمى… بل يتحمّل

في المغرب، المواطن لا يَتلقى الحماية الاجتماعية، بل يتحوّل هو نفسه إلى نظام حماية ذاتي:

  • يُقنّن وجباته.
  • يؤجل علاجاته.
  • يساهم في بناء قنطرة الحي من جيبه.
  • ويُرسل أبناءه للمدرسة وفي قلبه قلق من الغد.

250 مليون دولار؟ ربما ستُصرف… في أوراق، تقارير، لجان، وسفريات، لكن المواطن ما زال ينتظر مظلته.
لا ليحتمي من الشمس… بل من دولة نسيت أن المواطن أيضًا يستحق الحماية.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى

أنت تستخدم إضافة Adblock

أنت تستخدم اضافة Adblocks يجب تعطيلها.