الزمن الذي يسرق الأحلام

م-ص
يمرّ الزمن خفيفًا في بدايته، كطفلٍ يلهو بين أيدينا، ثم شيئًا فشيئًا يتحوّل إلى لصٍّ هادئٍ، يعرف كيف يسرق دون أن ننتبه. لا يأخذ منا الأشياء دفعة واحدة، بل يسرقها على مهل: نظرةً، ابتسامة، رغبةً في البقاء، وجرأةً على البدء من جديد.
في كل عامٍ، نشعر أننا ما زلنا كما نحن، لكن المرآة تكذبنا. العيون لم تعد تلمع كما كانت، والأحلام التي كنا نعلّقها على الغيم سقطت واحدة تلو الأخرى، دون ضجيج، دون حتى وداع.
كم حلمٍ خبّأناه في دفاتر المدرسة؟ كم وعدٍ قطعناه لأنفسنا ونسيناه في زحمة الأيام؟ كبرنا، ولم ننتبه أننا كبرنا. ركضنا خلف ما ظننّاه الحياة، حتى نسينا أن نحياها.
الزمن لا يشيخ، نحن الذين نشيخ فيه.
وكلما حاولنا استرجاع ما مضى، وجدنا أن الذكريات لا تُعاد، بل تُستدعى فقط لتُوجعنا أكثر.
هناك لحظة يدرك فيها الإنسان أن الحلم الذي كان ينتظره لن يأتي، وأن الزمن مضى دون أن يمنحه فرصة الاعتذار. عندها فقط، يفهم أن أجمل ما في الشباب لم يكن القوة، بل القدرة على الحلم.
لكن رغم كل شيء، يبقى فينا شيء صغير، يرفض أن يصدّق النهاية. شيء يشبه بقايا ضوءٍ في آخر الممر، يهمس لنا في ضعف:
ما زال هناك وقت…
حتى وإن كان الزمن قد سرق نصف أحلامنا، فما تبقّى منها كافٍ لنحيا قليلاً، بكرامة، وبذاكرة لا تنسى ما كانت تحلم به يومًا.




