مجتمع

الزواج العائلي بلا عائلة: حين تتحول الصالونات المغربية إلى غرف انتظار الطلاق

العربي الزيادي

مقدّمة لا تليق بالمجاملات:

في المغرب، لا يزال الزواج يُقدَّم على أنه “الفرح الكبير”، الحدث الأسطوري الذي يجمع العائلات ويخلّد الأنساب. لكن خلف الستائر المطرّزة والورود الصناعية، يتسلل واقع مرّ: زواج كثيرون لا يبدأ من الحب، ولا من العقل، بل من ضغط الأسرة، أو سباق العمر، أو ديكور اجتماعي مُفروض.

في صالونات مغربية كثيرة، يتم ترتيب التحاق شخصين ببعضهما لا لأنهما اقتنعا، بل لأن الخالة أحبت طوله، أو لأن الجدة تريد أن تموت وهي “مرتاحه فيك”. وهكذا يولد عقد شرعي من رحم إكراه شعبي.

التحليل: زواج اجتماعي من دون بناء اجتماعي

  1. هندسة زوجية مغشوشة :
    رغم مظاهر التمدن والانفتاح، لا تزال ثقافة “الزواج بالتقسيط الأبوي” قائمة: تهيئة البنت منذ مراهقتها على أنها مشروع زوجة. الخروج محدد. الطموح مشروط. اللباس مراقب. بينما يُبرمج الولد على أن الزواج خطوة للهيبة، لا للمشاركة. النتيجة؟ زوجان يعيشان حياة مكتوبة مسبقًا، دون سيناريو خاص بهما.
  2. الحياة المشتركة بدون دفتر استعمال :
    نقاشات ما قبل الزواج غالبًا سطحية: “كتعرفي طيبّي؟”، “فين خدام؟”، “شنو عجبك فيها؟”
    لكن أين النقاش حول القيم؟ الطموحات؟ المرض؟ الخصوصية؟
    المجتمع لا يملك أدوات تعلّم العلاقة. فيُترك الزوجان لوحدهما وسط الضغط، فتنهار الثقة، ثم تنهار العلاقة، وتُرفع الدعاوى، وتُدفن النوايا.
  3. العائلة الحاضرة… أكثر من اللازم :
    في حالات كثيرة، لا يتزوّج الرجل بزوجته فقط، بل بأمه وأخته وعمته. تتسلل هذه “العائلة الممتدة” إلى تفاصيل اليومي، حتى يصبح بيت الزوجية فرعًا ثانويًا للعائلة الكبرى.

ما الذي يحدث بعد “الزغاريد”؟

  • طلاق بعد أشهر، يمرّ بسرعة لأن لا أحد تَملّك العلاقة من الأصل.
  • أطفال يعيشون في صراع هويات بين أب غائب وأم منهكة.
  • عائلات ترمي باللوم على الطرف الآخر وتُعيد تكرار نفس النموذج في تجربة جديدة.
  • شباب يقررون “ما نتزوّجش أحسن”، لكن دون تطوير بدائل صحية لحياتهم العاطفية.

الخلاصة:

المغرب يعيش تحوّلًا أسريًا غير معترف به رسميًا. بينما تُحدّث الدولة قوانينها، وتفتح أوراش المساواة، لا تزال البيوت تُربّي أبناءها على منطق زواج القطيع: “تبع الجماعة… ولا تبقى بلا زواج”.

المطلوب ليس “محاربة الزواج”، بل تحريره من القيود الاجتماعية، ومن ثقافة “الزواج هو الخلاص”.
لأن الزواج ليس جزءًا من الحل فقط… بل قد يكون أحيانًا جزءًا من الأزمة.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى

أنت تستخدم إضافة Adblock

أنت تستخدم اضافة Adblocks يجب تعطيلها.