
ضربة قلم
في سنة 2020، شهد المغرب واحدة من أكثر الفترات حساسية في تاريخه الحديث، حيث تزامنت جائحة كورونا مع إجراءات الحجر الصحي، التي فرضت على المواطنين والمواطنات البقاء في منازلهم لفترات طويلة. كانت الاستجابة الحكومية سريعة عبر توفير دعم اجتماعي للمتضررين من الأزمة الصحية والاقتصادية، وهو ما قد يبدو للوهلة الأولى خطوة إيجابية تواكب تداعيات الجائحة. ولكن، مع مرور الوقت، بدأت تظهر بعض الجوانب المقلقة في كيفية توزيع هذا الدعم وكيفية تأثر الفقراء بهذه السياسات. أحد أبرز المفارقات كان تزامن السخاء الحكومي في تقديم الدعم مع زيادة مفاجئة في فواتير استهلاك الماء والكهرباء، مما يطرح سؤالًا مشروعًا: هل كان السخاء فعلاً لصالح الفئات الهشة أم كان مجرد ذر للرماد في العيون؟
الدعم الاجتماعي في زمن كورونا: هل هو كافٍ؟
منذ بداية الجائحة، أطلقت الدولة المغربية عدة برامج دعم مالي لمساعدة الأسر المتضررة من الأزمة، مثل صندوق تدبير جائحة كورونا، الذي خصص مبالغ لتغطية جزء من الأجور المفقودة للعاملين في القطاعات غير المهيكلة، بالإضافة إلى مساعدات مالية مباشرة للعائلات المتضررة. هذا الدعم كان خطوة ضرورية، ولكنه في كثير من الحالات كان غير كافٍ لتلبية احتياجات الأسر الفقيرة.
تستند هذه المساعدات إلى تقارير حكومية تقول إن 2.5 مليون أسرة استفادت من الدعم المالي، ولكن عندما نضع في الحسبان أن نسبة كبيرة من هذه الأسر تعيش في فقر مدقع، فإن المساعدات تبقى في كثير من الأحيان أقل من المتوقع أو غير كافية.
ولكن، في وسط هذا الدعم، ظهرت مشكلة أخرى غير متوقعة.
نفخ فواتير الماء والكهرباء: هل من تفسير؟
في الوقت الذي كان فيه المغاربة يتأهبون للاعتماد على الدعم الحكومي كإجراء استثنائي لمواجهة الأزمة، تفاجأ الكثير منهم بزيادة غير مبررة في فواتير استهلاك الماء والكهرباء، خاصة في الأشهر التي تلت بداية الأزمة. هذه الزيادة كانت مثيرة للجدل، حيث حملت مؤشرات على سوء التدبير أو حتى استغلال الظرف الاستثنائي لزيادة ما أنزل الله بها من سلطان.
وفقًا للعديد من التقارير والشهادات من المواطنين، كانت هذه الزيادة في الفواتير غير منطقية، بحيث أن الفواتير كانت تتضخم رغم أن استهلاك الكهرباء والماء في المنازل قد تراجع بسبب الحجر الصحي والحد من الأنشطة الاجتماعية والتجارية.
وفي حالات أخرى، أُدرجت زيادات في الفواتير دون مبرر واضح، وهو ما أوجد أزمة ثقة بين المواطن والمؤسسات الحكومية الساهرة على تدبير شؤون عباد الله. وجاءت هذه الزيادات في وقت حساس للغاية، حيث كان الكثير من المواطنين يعانون أصلاً من ضائقة مالية نتيجة لتوقف العديد من الأنشطة الاقتصادية.
الآثار الاجتماعية: هل تساهم الحكومة في تفاقم الفقر؟
مع تزايد فواتير الماء والكهرباء، أصبح العبء على الفقراء أكثر ثقلاً. ففي الوقت الذي كان فيه الدعم المالي من الدولة يُعتبر إغاثة مؤقتة، أصبحت الزيادات في هذه الفواتير تشكل تهديدًا حقيقيًا للأسر ذات الدخل المحدود.
من جهة أخرى، وعلى الرغم من الوعود الحكومية بالتحكم في الأسعار، أظهرت العديد من التقارير التي نشرتها الهيئات المستقلة تزايدًا في الغضب الشعبي بسبب هذه السياسات. وظهرت مؤشرات على أن الفقراء في المناطق الحضرية والقروية على حد سواء، بدأوا يعانون من تزايد الضغوط المالية، حيث أصبح من الصعب عليهم تلبية احتياجاتهم الأساسية.
وقد تتجسد المعضلة في أن الدعم الاجتماعي الذي تم تقديمه لا يتناسب مع حجم الأعباء الاقتصادية، التي تضاعفت بسبب زيادات غير مبررة في فواتير الخدمات الأساسية. كما أن الوعود الحكومـية بمراجعة الأسعار لم تكن كافية لإيقاف التراجع الحاد في مستوى المعيشة للعديد من الأسر.
الفقر: أزمة مستمرة في المغرب
كل سنة، يبدو أن الفقر في المغرب يتزايد بدلاً من أن يتراجع. التقارير الرسمية تشير إلى أن نسبة الفقر في البلاد لم تنخفض بشكل ملموس، بل على العكس، فإن الأوضاع الاقتصادية قد تفاقمت بسبب جائحة كورونا، والتباطؤ الاقتصادي الذي لحق بها. ومن هنا، أصبح من الصعب على شريحة واسعة من المواطنين التكيف مع الأسعار المرتفعة للمواد الأساسية، ناهيك عن تكاليف استهلاك الكهرباء والماء التي تأخذ حيزًا كبيرًا من ميزانية الأسر.
يعد تزايد الفقر من الظواهر التي لا يمكن تجاهلها في نقاشات السياسات الاقتصادية المغربية. ورغم العديد من المبادرات الحكومية، فإنها ما زالت تظل غير كافية مقارنةً بحجم المشكلة. وتستمر شريحة كبيرة من السكان في العيش في دائرة الفقر المدقع، في وقت تستمر فيه التفاوتات الاجتماعية والاقتصادية في التزايد.
استنتاجات: أين الخلل؟
لا شك أن السياسات الحكومية خلال فترة جائحة كورونا كان لها دور في تقديم بعض الدعم للأسر الفقيرة، ولكن في الوقت ذاته كشفت عن عدد من الثغرات التي يجب معالجتها. من أبرز هذه الثغرات هي ارتفاع فواتير الماء والكهرباء، والتي كانت بمثابة عبء إضافي على الأسر التي كانت في أمس الحاجة إلى دعم حقيقي.
من الأهمية بمكان أن تقوم الحكومة بمراجعة سياساتها بشكل شامل لتقديم حلول طويلة المدى تعالج ليس فقط الدعم الاجتماعي بل أيضًا معالجة قضايا أسعار الخدمات الأساسية التي تشكل تحديًا كبيرًا للفئات الهشة.
في النهاية، تبقى التساؤلات مشروعة: هل نحن بصدد سياسة دعم حقيقية، أم أن الدعم ما هو إلا نوع من المهدئات التي لا تحل جذور المشاكل الاقتصادية والاجتماعية؟ وكيف يمكن الوصول إلى حلول مستدامة تراعي الفئات الأكثر هشاشة في المجتمع المغربي؟ هذه الأسئلة تظل بلا إجابة واضحة، في وقت يستمر فيه الفقر في ازدياد عامًا بعد عام.