مجتمع

السمك المجمد للجميع.. أما الطري فلكبار القوم!

ربة قلم

كما جرت العادة مع حلول شهر رمضان الكريم، تظهر مبادرات الخير وكأنها اكتشاف علمي جديد، وهذه المرة مع النسخة السابعة من مبادرة “السمك بثمن معقول”، التي أشرفت على إطلاقها زكية الدريوش، كاتبة الدولة المكلفة بالصيد البحري، بسوق بيع السمك بالجملة بمدينة تامسنا. المبادرة، التي تبدو في ظاهرها محاولة نبيلة لتزويد الأسواق بالأسماك بأسعار مناسبة، تأتي لتذكّر المغاربة بأن الأسماك لا تُصطاد فقط في أعالي البحار، بل قد تصطاد أيضًا في دهاليز الأسعار!

المبادرة، التي تنظم بشراكة مع مجهزي الصيد البحري، تعد بتوفير الأسماك المجمدة للمواطنين بأسعار تنافسية خلال شهر رمضان. وكأنها تقول للمواطن: “خذ هذا السمك المجمد، وانسَ أمر السمك الطري الذي قد يكلفك نصف راتبك الشهري!” الهدف المعلن؟ تحقيق التوازن بين العرض والطلب، ودعم القدرة الشرائية للمستهلكين، لكن هل تساءل أحد كيف اختل هذا التوازن من الأساس؟ أم أن الأسماك قررت هي الأخرى أن تهاجر سرًا نحو الأسواق الممتازة ذات الأثمنة الفلكية؟

بحسب البلاغ الرسمي، ستغطي هذه المبادرة 40 مدينة، إضافة إلى القرى والمناطق النائية. يعني أن السمك المجمد سيصل إلى أماكن لم يصلها القطار بعد، في خطوة قد تثير غيرة قطاعات أخرى تعاني من نقص التوزيع العادل!

ولأن الأرقام تعطي دائمًا هالة من الجدية، فقد أُعلن أن المبادرة ستوفر 4000 طن من الأسماك المجمدة عبر 1000 نقطة بيع، مع إدراج بعض الأسواق الممتازة في العملية. لن نعلق على المفارقة بين “الأسعار التفضيلية” و”الأسواق الممتازة”، لكن يبدو أن المبادرة تخاطب المواطن بلغة: “إن لم تستطع شراء السمك الطري، فتقبل بديلاً باردًا ومنخفض السعر نسبياً!”.

ولضمان وصول السمك إلى أكبر عدد ممكن من المواطنين، سيتم إطلاق قافلة متنقلة للأسماك المجمدة، مما يجعل الأمر يبدو وكأننا نتحدث عن حملة تلقيح أو قافلة مساعدات إنسانية، وليس مجرد توزيع منتج غذائي من المفترض أن يكون متاحًا بسهولة على طول الساحل المغربي!

من جهة أخرى، وبهدف إضفاء لمسة من التنوع، ستشارك تعاونية نسائية في تثمين منتجات البحر. لكن الأهم من ذلك أن الجهات المنظمة تعِد بأن تخضع الأسماك المجمدة لمراقبة صارمة من طرف المكتب الوطني للسلامة الصحية (ONSSA). وهذا يعني أن المغاربة سيحصلون على سمك “مراقب” بعناية، حتى وإن كان لا يزال هناك سؤال معلق حول مدى ملاءمة الأسعار “المعقولة” للمواطن البسيط.

المبادرة، التي بدأت في 2019 بثلاث مدن فقط وبمبيعات 414 طنًا من الأسماك، شهدت توسعًا كبيرًا، حيث وصلت في 2024 إلى 22 مدينة، مع بيع 3800 طن، استفاد منها حوالي 950 ألف مواطن. وهذا يعني أن المغاربة قد اعتادوا شيئًا فشيئًا على فكرة السمك المجمد كبديل اضطراري، وكأن السمك الطري صار ترفًا لا يليق إلا بمن يملكون مفاتيح الأسواق الممتازة.

ختامًا، يبدو أن وزارة الفلاحة والصيد البحري عازمة على متابعة هذه المبادرة، متناسيةً أن المشكلة الحقيقية ليست في توفر السمك المجمد، بل في غياب سياسات تضمن وصول الأسماك الطرية بأسعار معقولة. وحتى يحدث ذلك، سيبقى المغاربة يطاردون الأسماك في قوافل متنقلة، أو يكتفون بمشاهدتها وهي تسبح بحرية في الأخبار الرسمية!

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى

أنت تستخدم إضافة Adblock

أنت تستخدم اضافة Adblocks يجب تعطيلها.