الشيك بدون رصيد: تذكير بآجال التقادم وسط تغييرات مرتقبة في القانون المغربي

ضربة قلم
أصبح واضحًا أن السياسة الجنائية المغربية بدأت تنحو نحو إعادة تقييم مقاربتها في ملف الشيكات بدون رصيد، إذ نشهد اليوم تحوّلًا تدريجيًا من المعالجة الزجرية الصارمة إلى رؤية أكثر توازنًا، تأخذ بعين الاعتبار التحديات الاقتصادية والاجتماعية، وتحرص في الآن ذاته على صون الثقة في وسائل الأداء البنكي.
تجسّد هذا التوجه الجديد في القانون من خلال تدبير العفو الاستثنائي، الذي مكّن المعنيين من تسوية أوضاعهم القانونية عبر أداء مساهمة مالية محدودة لا تتعدى 1.5% من قيمة الشيك المرتجع، في حدود أقصاها 10.000 درهم للأفراد و50.000 درهم للشركات. وقد ساهم هذا الإجراء في تخفيف العبء عن القضاء، خاصة في ظل الأرقام التي كشف عنها بنك المغرب، والتي تشير إلى أن عدد الممنوعين من إصدار الشيكات بلغ 701 ألفًا، أغلبهم أفراد، وأن 57% من حالات الرفض تعود إلى غياب أو عدم كفاية المؤونة.
وفي استمرار لهذه المقاربة الجديدة، تستعد وزارة العدل لإخراج تعديلات تشريعية جديدة تؤطر استعمال الشيك وتعيد رسم حدوده القانونية، خصوصًا عبر إلغاء التجريم في حالات خاصة، منها العلاقات الزوجية، وإعطاء الأولوية للمساطر المدنية بدل الزجر الجنائي، مع إجراءات عملية مثل منح مهلة شهر لتسوية الوضع قبل تحريك المتابعة، وربط هذا الأجل برقابة تقنية كالسوار الإلكتروني، مع إمكانية تمديد المهلة بشهر آخر.
كما يجري نقاش حول رفع عتبة التجريم إلى 20.000 درهم، وهي خطوة تعكس اتجاهاً نحو تقليص الاعتقال في قضايا بسيطة القيمة، مقابل الحفاظ على حماية الحامل وضمان احترام التزامات الساحب، بما يتماشى مع هدف تقليص الضغط على المنظومة القضائية والسجنية.
لكن وبموازاة هذه المستجدات، لا بد من التذكير بالإطار القانوني الجاري به العمل حاليًا فيما يخص التقادم، وهو ما طرحه بعض القراء أخيرًا: القانون المغربي حدد مدة تقادم دعوى الشيك بدون رصيد في ستة أشهر من تاريخ تقديمه، بينما دعوى الساحب ضد البنك تتقادم في عام من انقضاء ميعاد التقديم، وفق المادة 295 من مدونة التجارة. أما الدعوى الجنحية، التي تهم شريحة واسعة من حاملي الشيكات، فلا تتقادم إلا بعد مرور أربع سنوات، مما يجعلها الخيار الأنسب قانونيًا للمطالبة بالحق في حال ضياع المهلة المدنية، شرط عدم تجاوز سقف الأربع سنوات من تاريخ انقضاء الشيك.
كما نصّت المادة 599 من مدونة التجارة على أن دعاوى الرجوع تتقادم بعد ستة أشهر من انقضاء ميعاد تقديم الشيك، وتُمدّد هذه المدة في حال تم تحريك دعوى قضائية أو صدر حكم أو إقرار بالدين، حسب المواد 600 إلى 602. كما يُمكن، رغم التقادم، المطالبة برد ما أُثري به الساحب دون وجه حق.
بالتالي، فإن الإطار القانوني الجديد المنتظر لن يُلغِي بالضرورة هذه المقتضيات، بل سيُعيد ترتيب الأولويات والمسؤوليات في ضوء المعادلة الجديدة بين الردع القانوني ومراعاة الواقع الاجتماعي، خاصة وأن حاملي الشيكات لازالوا مطالبين بالتحرك القضائي في آجال مضبوطة، حتى لا يسقط حقهم في استرجاع ما لهم من ديون.