مجتمع

الصحافي الشرفي… بطاقة تُمنح بلا مكافأة ولا كرامة!

ضربة قلم

حين قرّر المجلس الوطني للصحافة أن يمنح ما يُعرف بـ البطاقة المهنية الشرفية لفئة من الصحافيين المتقاعدين أو المتوقفين عن الممارسة الصحفية، اعتقد كثيرون أن هذه المبادرة ستكون بمثابة وسام اعتراف يرمّم شيئًا من تعب السنين. غير أن الحقيقة سرعان ما كشفت أن هذه البطاقة ليست سوى شهادة مجاملة، لا تسمن ولا تغني من وجع، تُمنح بجدية إدارية تثير الشفقة أكثر مما تثير الفخر.

ولأنها تخضع بدورها لقانون الصحافة المهنية، فإن صاحبها مُطالب بتجديدها كل سنة، تمامًا كما لو كان ما يزال يمارس المهنة ويجري وراء المعلومة في الميدان!
تخيلوا صحافيًا تقاعد منذ عشر سنوات، يُطلب منه كل عام أن يملأ استمارات ويقدّم الوثائق لإثبات أنه ما زال… “شرفيًا”!
كأن الشرف في هذا البلد له تاريخ انتهاء صلاحية، أو يحتاج إلى تصحيح سنوي مثل رخصة السياقة!

ومع ذلك، لا تقدّم هذه البطاقة لحاملها أي امتياز فعلي:
لا مجانية في النقل، لا تخفيض في الأدوية، ولا هم يحزنون.
هي بطاقة “شرفية” بالاسم فقط، بينما صاحبها يشعر بالخجل وهو يحاول إقناع نفسه بأنها تستحق عناء تجديدها كل عام.

الصحافي الشرفي، الذي قضى نصف عمره أو أكثر يكتب عن الفقر والكرامة والعدالة الاجتماعية، أصبح اليوم يقتسم نفس مقعد الانتظار في المستشفى مع من كتب عنهم.
ذاك الذي كان يُطارد الخبر تحت المطر وفي قلب الليل، صار اليوم يُطارد موعدًا طبّيًا أو تخفيضًا بسيطًا في الدواء.
من كان يفضح اللامبالاة الإدارية، صار ضحيتها.

ولأننا في بلدٍ يُجيد تكريم الموتى أكثر من رعاية الأحياء، جاءت فكرة “البطاقة الشرفية” كمكياجٍ اجتماعي جميل يخفي وراءه فراغًا في المضمون.
بطاقة تُرضي الضمير المؤسسي وتُخدر ذاكرة النسيان، لكنها لا تُعطي صاحبها إلا المزيد من الإحباط.

فلماذا لا نحول هذه البطاقة إلى رمز تقدير حقيقي؟
لماذا لا تمنح امتيازات ملموسة تحفظ كرامة من صنعوا الكلمة، وصاغوا الوعي، ووجّهوا الرأي العام لسنوات طويلة؟
أليست مجانية التنقل أو تخفيضات في المرافق العمومية أضعف الإيمان؟
أليس من المنطقي أن يشعر الصحافي الشرفي بأن مهنته لم تتخلَّ عنه بعد أن تقدّم به العمر؟

وهنا تأتي الدعوة الصريحة إلى اللجنة المؤقتة للمجلس الوطني للصحافة:
بدل النقاشات التقنية حول “المساطر” و”اللوائح”، لنتحدث عن الكرامة.
كرامة الصحافي لا تُقاس بعدد المقالات التي كتبها، بل بكيفية معاملة المهنة له بعد أن يضع القلم.

ولنبدأ بخطوة رمزية ولكنها مؤثرة:
لماذا لا يُفرض على المكتب الوطني للسكك الحديدية تمكين الصحافيين الشرفيين من مجانية التنقل؟
هل سيخسر المكتب شيئًا إن منح مقعدًا في القطار لمن حمل همّ الوطن لعقود؟
أم أن “الشرف” في هذا البلد صار يحتاج إلى اشتراك سنوي هو الآخر؟

إن البطاقة الشرفية اليوم لا تمنح كرامة، بل تسجّل على الدولة دينًا معنوياً لم يُسدَّد بعد.
وإلى أن يتحول هذا الاعتراف الورقي إلى تقديرٍ فعلي، سيظل الصحافي الشرفي يحمل بطاقة تُجدَّد كل عام… لكنها لا تُجدّد شيئًا في حياته.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى

أنت تستخدم إضافة Adblock

أنت تستخدم اضافة Adblocks يجب تعطيلها.