مجتمع

الطلاق للشقاق: قنبلة قانونية موقوتة بغطاء اجتماعي

ضربة قلم

عندما نقرأ عن “الطلاق للشقاق” كما يُمارس اليوم داخل المحاكم المغربية، لا يسعنا إلا أن نتساءل بمرارة: هل نحن بصدد عدالة أسرية حقيقية، أم أمام واجهة قانونية تُجمِّل فشلنا الجماعي في بناء منظومة أسرية متوازنة؟

ما يُسمى بـ”الشقاق” في النصوص القانونية يبدو للوهلة الأولى مفهوماً نبيلاً، يحاول أن يحمي الطرف المتضرر حين تستحيل المعاشرة. لكن على أرض الواقع، تحوّل إلى عباءة قانونية تُلبس لكل انفصال، حتى وإن كان مدفوعًا بنزوة، أو سوء تفاهم مؤقت، أو رغبة أحد الطرفين في الهروب دون مواجهة مسؤولياته.

الإجراءات المتبعة – وإن غُلِّفت بعبارات مثل “لجنة صلح” و”بحث اجتماعي” – غالبًا ما تكون شكلية، صُورية، أقرب إلى محضر شرطة منه إلى محاولة إصلاح ذات البين. الصلح يُطلب إجرائيًا لا وجدانيًا، ويتم بطريقة نمطية لا تحاكي عمق الأزمة التي تعصف بالعلاقة الزوجية.

والمفارقة الأكبر: أن القضاء، بدل أن يكون سلطة تفصل في النزاعات بناءً على حقائق واضحة، بات يكتفي بمؤشرات نفسية وادعاءات عامة ليبني عليها أحكامه. القاضي هنا لا يبتّ فقط في علاقة زوجية، بل يُقرر مصير أسرة بأكملها، في أحيان كثيرة بناءً على شعور طرف واحد، دون تحقق مادي أو قرينة دامغة.

ثم تأتي المشكلة الأخطر: ما بعد الطلاق. فالقانون، الذي سهّل الانفصال، يتنصّل تقريبًا من تنظيم تبعاته. من يضمن الاستقرار النفسي للأطفال؟ من يراقب تنفيذ الأحكام المرتبطة بالنفقة والحضانة؟ ومن يحاسب من يستعمل الشقاق كأداة انتقام أو وسيلة ضغط؟

إننا نعيش مفارقة حقيقية: قانون يُفترض فيه أن يكون ملاذًا عند الضرورة القصوى، أصبح أداة عادية لفضّ الروابط الأسرية، بل إن الإحصائيات تشير إلى تضاعف معدلات الطلاق بشكل يبعث على القلق، ومع ذلك ما زلنا نعامل الطلاق للشقاق كأنه إجراء حميد ومحايد.

الشقاق، في صورته الحالية، ليس سوى عرض لأزمة أعمق: غياب التأطير النفسي قبل الزواج، وانهيار مفهوم الحوار داخل الأسرة، وانسحاب الدولة من دورها في حماية البنية الاجتماعية. أما النص القانوني، فهو مجرد صدى لصوت مجتمع يختار الانفصال كأسرع حل، ويجد في القضاء منفذاً بيروقراطياً لتحقيق ذلك.

إننا لا نحتاج إلى “تكييفات قضائية” جديدة، بل إلى وقفة صريحة: هل الشقاق حماية أم هروب؟ وهل ما يحدث في المحاكم اليوم هو عدالة، أم تسوية إدارية لمأساة إنسانية لا نملك الشجاعة لمواجهتها بعمق؟

مقالات ذات صلة

‫2 تعليقات

  1. بكل احترام و تقدير أود أن أشكر الاستاذ محمد صابر على ضربات أقلامه التي عادت بأذهاننا الى زمن الصحافة الجميل الراقي و المحترم، شكرا لك سيدي الصحفي المحترم

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى

أنت تستخدم إضافة Adblock

أنت تستخدم اضافة Adblocks يجب تعطيلها.