العالم في منتصف 2025: ملامح توتر، اقتصاد مرتبك، ومناخ يحتضر

محمد صابر
أولاً: الصراعات الجيوسياسية تعيد رسم خريطة التوازن الدولي
يشهد العالم هذه الأيام تصاعدًا غير مسبوق في حدة التوترات بالشرق الأوسط، حيث وصلت العلاقة بين بعض القوى الإقليمية إلى مستويات حرجة. هذا التوتر لم يعد مقتصرًا على التصريحات أو المناوشات الدبلوماسية، بل اتخذ طابعًا عسكريًا مباشرا في بعض المناطق. ما يثير القلق هو إمكانية توسّع هذه النزاعات إلى صراعات إقليمية أوسع، أو استدراج أطراف دولية في مواجهات مفتوحة.
اللافت هو أن أغلب الدول الكبرى تحاول احتواء التصعيد، مع المحافظة على مصالحها الاستراتيجية، سواء عبر دعم مباشر أو دبلوماسية محسوبة. هذا المشهد يؤكد مرة أخرى أن العالم يعيش على وقع موازين قوى متحركة، حيث تتغير التحالفات والاصطفافات تبعًا لمصالح ظرفية، لا لقيم ثابتة.
ثانيًا: اقتصاد عالمي يسير فوق حقل ألغام
التحديات الاقتصادية العالمية ما تزال تضغط على الأنظمة المالية الكبرى. فبعد بوادر التعافي النسبي في مطلع السنة، جاءت التوترات الجيوسياسية وارتفاع أسعار النفط لتخلخل التوقعات. نسب النمو تتباطأ، وثقة المستثمرين تتأرجح، وسط غموض بشأن توجهات السياسات النقدية العالمية.
البنوك المركزية تعاني من مفارقة صعبة: إنعاش الاقتصاد دون إطلاق التضخم مجددًا. ولهذا، نلاحظ تباينًا واضحًا في القرارات المالية بين الدول؛ بعضها اختار تخفيض سعر الفائدة لتحفيز النمو، فيما اختارت أخرى التريث خوفًا من عودة دوامة الأسعار.
وفي ظل هذا الغموض، يظل المستثمرون في حالة ترقب، بينما يواجه المواطنون في عدة دول تدهورًا في القدرة الشرائية وارتفاعًا في تكاليف المعيشة.
ثالثًا: البيئة… نذير المستقبل المخيف
على صعيد البيئة، تزداد مؤشرات الخطر وضوحًا. موجات الحرارة، الفيضانات، والجفاف أصبحت أحداثًا متكررة بشكل غير مسبوق، ما يؤثر بشكل مباشر على الأمن الغذائي والمائي في عدة مناطق.
الأزمة المناخية لم تعد مسألة تتعلق فقط بالانبعاثات ودرجات الحرارة، بل باتت تمس أساسيات الحياة البشرية. الزراعة مهددة، الموارد المائية تتقلص، والهجرات المناخية بدأت تظهر بوادرها. في المقابل، لا تزال السياسات البيئية في أغلب الدول أقل من مستوى التحديات المطروحة.
التأخر في التفاعل الجدي مع الإنذارات المناخية قد يُدخل البشرية في مرحلة من التوترات البيئية–الاجتماعية التي لا يمكن التحكم في مخرجاتها.
رابعًا: القمم الدولية… محاولات لإثبات الحضور
خلال الأسابيع الأخيرة، احتضنت بعض العواصم الأوروبية والأمريكية قممًا ولقاءات بين كبار قادة العالم. من أبرز مواضيعها: دعم أوكرانيا، تعزيز الدفاع الجماعي، والتحكم في الأسواق الطاقية.
لكن هذه القمم، ورغم كثافة الخطابات، تبدو محدودة في نتائجها العملية، بسبب التباين في المصالح بين الدول، والانشغال الداخلي في بعضها الآخر بأجندات انتخابية أو اقتصادية.
خلاصة تحليلية
العالم يعيش مرحلة انتقالية هشة. لا هو في حالة حرب شاملة، ولا في حالة استقرار دائم. صراعات إقليمية تهدد بالسقوط في الهاوية، واقتصاد عالمي عاجز عن تجاوز دوامة عدم اليقين، وبيئة تصرخ في صمت وسط تجاهل ممنهج.
في مثل هذه المرحلة، يصبح الحياد العقلاني هو أندر الموارد، وتُصبح القدرة على التفكير الإستراتيجي الجماعي مسؤولية تتقاسمها الدول، الشعوب، والمؤسسات.
الأسئلة الكبرى اليوم لم تعد متعلقة فقط بـ”من يربح؟” و”من يخسر؟”
بل أصبحت: من سينجو؟ وكيف؟