سياسة

“العداوة دايمة والصواب يكون”: تهنئة وهبي لبنكيران… مبادرة مفاجئة أم رسائل سياسية مشفّرة؟

ضربة قلم

في مشهد لم يكن على رادار المتتبعين، أقدم عبد اللطيف وهبي، وزير العدل والأمين العام السابق لحزب الأصالة والمعاصرة، على خطوة أثارت الكثير من الدهشة والاستفهام، حين بعث برسالة تهنئة إلى عبد الإله بنكيران، بمناسبة تجديد الثقة فيه كأمين عام لحزب العدالة والتنمية. خطوة وُصفت من قبل البعض بـ”غير المألوفة”، واعتُبرت خروجًا عن العرف السياسي المتجذر بين حزبين عرف عنهما التوتر والتراشق المتبادل أكثر من التوافق والتقدير.

الرسالة، التي حملت عبارات ودية وتمنيات طيبة، لم تمر دون أن تخلف هزة داخلية في بيت “البام”، إذ فجّرت جدلاً واسعًا بين من اعتبرها لباقة سياسية في سياق حزبي تقليدي، وبين من رآها محاولة مبطنة لإعادة رسم العلاقات على نحو غير واضح، وربما خاضع لحسابات أكبر من مجرد تهنئة بروتوكولية.

قيادات من حزب الأصالة والمعاصرة لم تخفِ استياءها، وطرحت تساؤلات صريحة حول خلفيات المبادرة وتوقيتها، خاصة في ظل سياق سياسي محتقن وعلاقات تاريخية ملغومة بين وهبي وبنكيران، لم تخلُ من اتهامات حادة وتجاذبات إعلامية وسياسية وصلت في بعض الأحيان إلى حدود الشخصنة. فكيف تحوّل هذا الخصام العلني إلى تهنئة مفاجئة قد تحمل بين سطورها رسائل تصالح أو تحولات في خريطة التحالفات السياسية المقبلة؟

المفارقة أن بنكيران نفسه لم يُخفِ اندهاشه، بل تفاعل مع الرسالة بإيجابية ملحوظة، وأشاد بها علنًا، واصفًا إياها بأنها “مبادرة طيبة من خصم عنيد”. هذا التصريح، الذي حمل في ظاهره نبرة تصالحية، فتح الباب أمام تكهنات حول مدى صحة الحديث عن تهدئة في العلاقات أو حتى تقارب محتمل بين الحزبين، ولو في شكل تنسيق ظرفي أو براغماتي.

ويبقى السؤال الأكثر إلحاحًا: هل كانت تهنئة وهبي تعبيرًا عن موقف شخصي، أم أنها مؤشر على تحولات أعمق داخل “البام”؟ هل نحن أمام محاولة لكسر الجليد السياسي تمهيدًا لمرحلة جديدة، أم أن الأمر لا يعدو أن يكون تصرفًا فرديًا معزولًا لا يحمل أية دلالات سياسية بعيدة المدى؟

وسط هذا الغموض، تتعدد التأويلات وتبقى المواقف غير محسومة. فبين من يرى في الخطوة نوعًا من الليونة السياسية التي تُمليها ضرورات المرحلة، ومن يصفها بـ”المقامرة السياسية” غير المدروسة، تظل التهنئة محل نقاش، وترسم علامات استفهام عريضة حول موقع حزب الأصالة والمعاصرة في الخريطة السياسية المقبلة، ومدى رغبته في إعادة تموضعه إزاء خصومه التقليديين.

إن كانت السياسة فن الممكن، فربما أصبحت التهاني أيضًا جزءًا من معركة الرموز والرسائل غير المباشرة. وبين “العداوة الدايمة” و”الصواب اللي يكون”، قد تكون هذه المبادرة بداية تحوّل في لغة الخصومة الحزبية، أو مجرد سحابة صيف سرعان ما تنقشع دون أثر.

مقالات ذات صلة

تعليق واحد

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى

أنت تستخدم إضافة Adblock

أنت تستخدم اضافة Adblocks يجب تعطيلها.