العرب واليهود: قصة حب مستحيلة أم كراهية مقدسة؟

ضربة قلم
ما بين دفتي التاريخ، وفي صفحات من التوراة والقرآن، ومن الحبر والدم، تكتب العلاقة بين العرب واليهود نفسها، تارةً بشوق الجيران وتارةً بشكوك الأعداء. إنها علاقة من ذلك النوع الذي لا يُمكنك أن تختصره في كلمتين مثل “صداقة” أو “عداوة”، لأن ما بين العرب واليهود، ليس مجرد خلاف سياسي… بل رواسب قرون من التفاعل، التصادم، والتشابه المدهش.
جذور واحدة… أم انشقاق قديم؟
يُرجع الكثير من المؤرخين أصل العرب واليهود إلى سلالة إبراهيم، عليه السلام، أبو الأنبياء. إسماعيل أبو العرب، وإسحاق أبو بني إسرائيل. وما كان في البداية رحمًا مشتركًا، تحوّل إلى فروع متباعدة تحمل جينات مشتركة، لكنها تلبس هويات مختلفة، دينية وقومية وثقافية.
ولئن اختلفت الكتب السماوية، فإن اللغات والطبائع والعادات ظلت متقاربة. فاليهود الشرقيون، ممن عاشوا قرونًا في بغداد وفاس وصنعاء وتطوان، كانوا جزءًا من نسيج المجتمعات العربية. في الأسواق والجامعات، في الأزقة والمعابد، تقاطع التاريخ وتساكن، قبل أن تأتي عاصفة الصهيونية.
من التعايش إلى التشظي
لم يكن العرب يكنّون عداءً لليهود كديانة. بل كان اليهود، كما المسيحيون، جزءًا من الموزاييك الديني في مدن عربية عتيقة. ففي المغرب وحده، عاش مئات الآلاف من اليهود في سلم نسبي، تُكتب لهم الوثائق بالعربية وتُتلى عليهم التوراة بلهجة فاسية أو دارجة.
لكن القرن العشرين قلب الموازين. تأسيس دولة إسرائيل سنة 1948 على أرض فلسطين، وما صاحب ذلك من نكبة وتهجير وقتل جماعي واحتلال متواصل، جعل من “اليهودي” في الوعي العربي مرادفًا للـ”صهيوني”، وهنا وقع الانفجار: انفصال نفسي وثقافي، عبّر عن نفسه في الخطاب الشعبي والسياسي وحتى الفني.
المأساة الفلسطينية: الجرح العربي المفتوح
لن يفهم أحد العلاقة بين العرب واليهود دون المرور من بوابة فلسطين. فقد اختُزل الصراع في احتلال الأرض، لكنه أعمق من ذلك: هو صراع وجود، وذاكرة، وهويات. صراع على من يروي القصة، ومن يملك الرواية. الإسرائيلي يتحدث عن “أرض الميعاد”، والعربي عن “وطن مسلوب”، وكل منهما يرى الآخر معتديًا.
ورغم مرور عقود، وتوقيع بعض الدول العربية اتفاقيات “سلام” مع إسرائيل، إلا أن الشعور الشعبي لا يزال يعتبر أن العداء مع إسرائيل مسألة أخلاقية وإنسانية تتعلق بعدالة القضية الفلسطينية، لا علاقة لها بأهواء الحكومات.
هل هناك مخرج إنساني؟
نعم، ولكن لا يمر عبر الأنظمة ولا التهليل للتطبيع، بل عبر مواجهة الحقائق. على العرب أن يميزوا بين اليهودي كإنسان وديانته، وبين الصهيونية كمشروع استعماري عنصري. وعلى اليهود أن يعترفوا، من جانبهم، بأن لا مستقبل لأي دولة تُبنى على أنقاض شعب آخر.
إن الحروب لا تُنهي الكراهية، لكنها توارثها. وحده العدل يُوقف النزيف. وبدل أن تُبنى “القدس” على أحجار المستوطنات، كان يمكن أن تُبنى على جسر من الحقيقة والاعتراف والحقوق.
خاتمة:
العرب واليهود ليسوا نقيضين بالضرورة. إنهما – في وجه من وجوههما – أشبه ما يكونان بشقيقين افترقا بسبب ميراث مسروق. وربما، حين تهدأ أصوات المدافع وتنتهي أسطورة “العدو الأزلي”، سيجلس الطرفان ذات يوم ليتذكرا أن لهما جذورًا واحدة… وجرحًا مشتركًا اسمه الإنسانية المنكوبة.




