العروي تغرق… وماء المطر يكشف ما تحت الإسفلت

ضربة قلم
لم تكن السماء كريمة بقدر ما كانت فاضحة. أمطرت العروي حتى ابتلّت، لا عطشًا ارتوى، بل أسرارًا انكشفت. كانت الشوارع تغوص في الماء كما لو أنها لم تعرف الإسفلت يومًا، والسيارات تتحرك ببطء، كأنها تسبح في بحرٍ من اللامبالاة أكثر منه في أمطار خريفية.
في ليلة الجمعة، حين كان الناس يتهيّأون لعطلة نهاية الأسبوع، فاجأتهم الغيوم بما لم يفاجئهم به أحد من قبل: سيلٌ من الماء… وسيلٌ من الأسئلة. كيف لمدينة صغيرة، محاطة بالحياة، أن تغرق بهذه السرعة؟ كيف لمجرى المطر أن يتحول إلى فخٍّ، والمنازل إلى قوارب خائفة؟
كانت العروي تئنّ تحت المطر، لا لأن المطر كثير، بل لأن البنية التحتية ضعيفة.
كانت النساء يحملن الأطفال من بين البرك، والشيوخ يتكئون على العصي كأنهم يسيرون في نهر. وعلى الأرصفة، كانت الوجوه تتبادل النظرات بين الخوف والسخرية. فحتى السماء – على ما يبدو – سئمت من وعود الإصلاح التي لا تصلح شيئًا.
الصور القادمة من المدينة تُشبه أفلام الكوارث، لكنها بلا مؤثرات.
أحياء بكاملها عالقة في الماء، محلات تجارية غمرتها السيول، وطرقات تحولت إلى مجارٍ. ووسط كل هذا، بقيت بعض الأصوات تضحك رغم كل شيء… لأن الضحك في المغرب، أحيانًا، هو آخر وسيلة للنجاة.
لكن الغرق في العروي ليس جديدًا. كل عام تُمطر السماء، وتغرق الأرض، وتعود نفس التصريحات: “أمطار استثنائية”، “حالة طارئة”، “تدخلات فورية”. ثم يجف الماء، وتجف معه الذاكرة الجماعية حتى المطر المقبل.
في النهاية، لم تغرق العروي في المطر وحده، بل في الإهمال.
والسؤال الذي يطفو فوق الماء اليوم:
كم من المدن المغربية الأخرى تنتظر فقط غيمة ثقيلة… لتنكشف حقيقتها هي أيضًا؟




