العلاقة القانونية بين وزير العدل بصفته المعنوية والقضاة في المغرب: قراءة متعمقة في النصوص القانونية

ضربة قلم
تعد العلاقة بين وزير العدل والقضاة في المغرب من أكثر المواضيع التي تثير الجدل والنقاش، خاصة مع تكريس مبدأ استقلال السلطة القضائية بموجب دستور 2011. وبينما يعتقد البعض أن وزير العدل يتمتع بسلطة مباشرة على القضاة، فإن الحقيقة القانونية مختلفة تمامًا، إذ تحكم هذه العلاقة نصوص دستورية وقوانين تنظيمية تضع حدودًا فاصلة بين صلاحيات السلطة التنفيذية والسلطة القضائية.
أولًا: الاستقلالية المطلقة للقضاء في الدستور المغربي
يُعتبر دستور 2011 المرجع الأسمى الذي يؤطر العلاقة بين وزير العدل والقضاة. وفي هذا الصدد، نجد:
- الفصل 107: “السلطة القضائية مستقلة عن السلطة التشريعية وعن السلطة التنفيذية.”
- الفصل 109: “يمنع كل تدخل في القضايا المعروضة على القضاء، ولا يتلقى القاضي بشأن مهمته القضائية أي أوامر أو تعليمات، ولا يخضع لأي ضغط.”
- الفصل 110: “لا يلزم قضاة الأحكام إلا بتطبيق القانون. ولا تصدر الأحكام إلا على أساس التطبيق العادل للقانون.”
- الفصل 111: “للقضاة الحق في حرية التعبير، بما يتلاءم مع واجب التحفظ والأخلاقيات القضائية.”
ثانيًا: المجلس الأعلى للسلطة القضائية واستقلالية القضاة
أصبح المجلس الأعلى للسلطة القضائية هو الجهة الوحيدة المخول لها الإشراف على الوضعية المهنية للقضاة، وهو ما نص عليه:
- الفصل 113 من الدستور: “يتولى المجلس الأعلى للسلطة القضائية السهر على تطبيق الضمانات الممنوحة للقضاة، ولاسيما فيما يخص استقلالهم وتعيينهم وترقيتهم وتأديبهم.”
- الفصل 116: “يسهر المجلس على احترام الضمانات الممنوحة للقضاة، لا سيما ما يتعلق بحريتهم واستقلاليتهم.”
- القانون التنظيمي رقم 100.13 المتعلق بالمجلس الأعلى للسلطة القضائية ينص على أن المجلس هو الجهة الوحيدة المخول لها تعيين القضاة وترقيتهم وتأديبهم ونقلهم، وهو ما كان في السابق ضمن اختصاص وزارة العدل.
ثالثًا: دور وزير العدل وفق القانون
رغم أن وزير العدل فقد العديد من اختصاصاته التقليدية، إلا أنه لا يزال يقوم بأدوار مهمة على المستوى الإداري، اللوجستي والتشريعي. ويمكن تلخيص أدواره كما يلي:
1- المسؤولية الإدارية والمالية
- بموجب القانون التنظيمي رقم 106.13 المتعلق بالنظام الأساسي للقضاة، فإن توفير الموارد البشرية والمادية لعمل المحاكم يظل تحت إشراف وزارة العدل، حيث تتولى الوزارة تجهيز المحاكم وتدبير ميزانيتها.
- وفق القانون التنظيمي رقم 100.13، فإن المجلس الأعلى للسلطة القضائية يقرر تعيين القضاة لكنهم يتلقون أجورهم من وزارة العدل.
- الفصل 89 من الدستور ينص على أن الحكومة تمارس التنفيذ الفعلي للقوانين، وبهذا فإن وزير العدل مسؤول عن تنفيذ السياسات العامة في قطاع العدالة.
2- التأطير التشريعي والسياسة الجنائية
- بموجب المادة 51 من القانون التنظيمي 100.13، فإن وزير العدل ليس له أي سلطة تأديبية أو وظيفية على القضاة.
- رغم ذلك، فإن وزير العدل يملك السلطة في السياسة الجنائية بموجب المادة 51 من قانون المسطرة الجنائية، حيث يُعتبر “الرئيس التسلسلي للنيابة العامة”، إلى أن تم نقل هذا الاختصاص إلى الوكيل العام للملك بمحكمة النقض سنة 2017.
رابعًا: الحدود القانونية بين وزير العدل والقضاة
1- منع التدخل في القضاء
بموجب الفصل 109 من الدستور، يُمنع على وزير العدل أو أي مسؤول في السلطة التنفيذية التدخل في القضايا الجارية أمام القضاء، وهو ما يعني أنه لا يمكنه إعطاء توجيهات للقضاة أو التأثير على قراراتهم.
2- الإشراف الإداري دون التدخل في الوظائف القضائية
بموجب المادة 54 من القانون التنظيمي 100.13، فإن أي قرارات تتعلق بالمسار المهني للقضاة (تعيين، ترقية، تأديب) لا تدخل ضمن اختصاص وزير العدل، بل تعود للمجلس الأعلى للسلطة القضائية.
3- السياسة الجنائية بيد النيابة العامة
قبل سنة 2017، كان وزير العدل هو المسؤول عن السياسة الجنائية، لكنه فقد هذا الامتياز بعد صدور القانون رقم 33.17، الذي نقل هذه السلطة إلى الوكيل العام للملك بمحكمة النقض، وهو الرئيس المباشر للنيابة العامة.
خامسًا: العلاقة بين وزير العدل والمجلس الأعلى للسلطة القضائية
رغم أن وزير العدل لم يعد يتدخل في شؤون القضاة، إلا أن هناك علاقات تنسيقية بين الوزارة والمجلس الأعلى للسلطة القضائية، ومنها:
- توفير الموارد المالية واللوجستية للقضاة عبر وزارة العدل.
- اقتراح الإصلاحات التشريعية من طرف وزير العدل، لكن دون أن يكون له سلطة على تعيين القضاة أو معاقبتهم.
- التعاون في تحديث المنظومة القضائية، مثل الرقمنة وتطوير البنية التحتية للمحاكم.
خاتمة: هل ما زال لوزير العدل تأثير على القضاة؟
رغم الدور المركزي الذي كان يلعبه وزير العدل سابقًا في المسار المهني للقضاة، إلا أن الإصلاحات القانونية والدستورية حدّت من تدخله، وجعلت القضاة أكثر استقلالية. لكن الوزارة لا تزال مسؤولة عن دعم القطاع القضائي إداريًا وماليًا، مما يجعل العلاقة بين الطرفين علاقة تنسيق إداري أكثر من كونها علاقة “إشراف وتحكم”.
بهذا، يتضح أن وزير العدل لم يعد يملك السلطة التي كان يتمتع بها في الماضي على القضاة، وأن استقلالية القضاء في المغرب أصبحت حقيقة قانونية، يكفلها الدستور والقوانين التنظيمية. ومع ذلك، يبقى التحدي في التطبيق الفعلي لهذا الاستقلال، وضمان عدم تأثير أي جهة، سواء سياسية أو غيرها، على مسار العدالة.