مجتمع

العمل الجمعوي: رافعة مواطنة ومسؤولية، لا مزاد على كرامة الإنسان

ضربة قلم

وسط تصاعد التحديات الاجتماعية واتساع الهوة بين متطلبات الحياة اليومية وقدرة المؤسسات على الاستجابة، يبرز العمل الجمعوي كأرقى تجليات المواطنة الفاعلة. إنه صدى للضمير الجماعي وامتداد إنساني حيث تعجز السياسات العمومية، وجسر متين يصل بين واقع مأزوم وأمل متجدد.

لكن، ومع هذا الدور الحيوي، يظل المشهد الجمعوي في المغرب – كما في غيره – معرضًا للانزلاقات. وهذا ليس سببًا للتشكيك، بل دافعًا للتقويم والمراجعة، حتى لا يُختطف هذا الحقل الطاهر من قبل فئات انتهازية لا تؤمن سوى بالمصلحة الضيقة.

الجمعيات النزيهة… طاقة هذا الوطن الصامتة
في كل حي، في كل قرية، وفي كل مدينة، هناك رجال ونساء يُضحّون بوقتهم وجهدهم، بلا مقابل، فقط لأنهم يؤمنون بأن التغيير ممكن. جمعيات تُدرّس، تنظّف، تؤطر، تحمي، وتواكب الفئات الهشة… لا تنتظر الأضواء، ولا تركب على المآسي، بل تعمل في صمت وصدق.

هذه الجمعيات هي القلب الحقيقي للمغرب العميق. هي التي تعبئ الشباب وتعيد لهم الثقة في الوطن، وهي التي تسدّ ثغرات الدولة بروح وطنية عالية.

الانزلاق نحو “الاحتكار المجتمعي”
في المقابل، لا يمكن إنكار وجود أجسام استثنائية تسللت إلى الحقل الجمعوي، واتخذت من العمل التطوعي واجهة براقة لمآرب أخرى: تسويق الذات، الاستفادة من المنح، أو حتى فرض سلطات غير رسمية على الناس. هذا النوع من الفاعلين لا يمثل إلا نفسه، ولا يجوز أن يُلصق سلوكه بالمجتمع المدني ككل.

ولهذا، فإن التمييز ضروري:

بين من يخدم الناس، ومن يخدم نفسه.

بين من يمدّ يده للآخر، ومن يرفعها للتصفيق أمام الكاميرات.

بين من يعمل من أجل التنمية، ومن يشتغل من أجل المنحة.

دعوة للفاعلين الجمعويين الحقيقيين
إن المرحلة اليوم تتطلب شيئًا أكبر من التنسيق الموسمي أو الأنشطة المناسبة. نحتاج إلى إحياء الروح الحقيقية للعمل الجمعوي:

مسؤولية مواطناتية لا تُنتظر منها المردودية الشخصية.

مبادرات تضع الإنسان في قلب كل مشروع.

آليات للتقييم الذاتي والمساءلة الشفافة داخل الجمعيات نفسها.

كما أن السلطات المحلية والجهات المانحة مطالبة، أكثر من أي وقت مضى، بدعم الجمعيات النزيهة، لا فقط من خلال التمويل، بل عبر التكوين والتتبع والمرافقة، حتى لا تظل الساحة مفتوحة فقط لمن يجيدون التملق وكتابة التقارير المزخرفة.

لنعد الثقة للعمل التطوعي
العمل الجمعوي ليس تجارة، وليس سلطة، وليس نادٍ للصور والتصفيق. هو التزام عميق نحو الإنسان، وقيمة أخلاقية يجب أن تُحمى من التمييع والتمثيل.

فلنعترف بأن هناك خللاً في بعض الزوايا، لكن لا نسمح له بأن يعمينا عن الصورة الأوسع، المضيئة، التي ترسمها آلاف الجمعيات يوميًا في صمت. لنحفّز الشباب على الانخراط، ونُطهّر الحقل من التشويه، لا عبر التشهير، بل عبر الوعي، والنقاش، والتكوين.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى

أنت تستخدم إضافة Adblock

أنت تستخدم اضافة Adblocks يجب تعطيلها.