مجتمعاقتصاد

الغش في المحروقات: المختبرات المتنقلة أم مصلحة الجبايات المتنقلة؟

ضربة قلم

في مغرب اليوم، حيث صار تحرير القطاعات الاقتصادية مرادفًا للانفلات من كل رقابة، يبدو أن قطاع المحروقات يعيش على إيقاع “مراقبة افتراضية” لا تُسفر عن أي نتائج تذكر. فوفقًا للتصريحات الرسمية، فإن نسبة المطابقة للمواصفات القانونية في المحروقات تجاوزت 96%، وهو رقم قد يبدو مطمئنًا للوهلة الأولى، لولا أن الواقع يُصرّ على فضح المستور.

مراقبة بنكهة “التحراميات

تؤكد الوزارة الوصية أنها تعمل على تصحيح النواقص التقنية المترتبة عن تحرير القطاع منذ 2015، وتعِد بحملات سنوية تشمل المستودعات ومحطات البنزين، لكن الغريب أن هذه الحملات لم تُسفر منذ سنوات عن إغلاق أي محطة! نعم، لم نسمع يومًا عن اتخاذ إجراء زجري في حق محطة ثبت تورطها في الغش، رغم أن محاضر الشرطة تعجّ بقضايا التلاعب بالوقود. فهل يعقل أن يكون القطاع الوحيد في البلاد الخالي من أي مخالفة تُذكر؟ أم أن “الغرامات الصامتة” تقوم بالواجب وتُجنب المخالفين أي مساءلة؟

مختبرات المراقبة: أدوات تحليل أم أدوات تحايل؟

الأمر لا يتعلق فقط بغياب العقوبات، بل بالطريقة التي تتم بها المراقبة نفسها. كما كشف المتتبع الكريم عيسى أيت علي في رسالته، فإن المختبرات المتنقلة التي من المفترض أن تكون رُمح الدولة في مواجهة الغش، تحوّلت إلى مصلحة جبايات متنقلة. فحين يصل التقني المراقب إلى محطة معينة، يأخذ عينة من الوقود ويضعها في جهاز التحليل. وإذا كانت النتيجة سيئة، يبتسم له صاحب المحطة بهدوء، ثم يُقدّم له برميلًا احتياطيًا أُعدَّ سلفًا لهذا النوع من المفاجآت، محمّلًا بوقود عالي الجودة، ليتم إعادة الاختبار و”تصحيح النتيجة”، قبل أن يُغادر المراقب مُحملًا بواجب الطريق الذي لا يحتاج إلى توصيل.

هذه العملية لم تعد سرًا، بل باتت جزءًا من “تقاليد” القطاع، حيث إن المراقبة الفعلية التي يُمكن أن تؤدي إلى فضح الغش لا تحدث أبدًا، بل يتم استبدالها بمفاوضات هادئة تُنهي القضية قبل أن تبدأ. وهكذا، تحولت هذه المختبرات إلى أدوات لتلميع الصورة بدلًا من كشف الحقيقة.

من يراقب المراقبين؟

في ظل هذا العبث، من الطبيعي أن نتساءل: إذا كان المراقبون أنفسهم بحاجة إلى من يُراقبهم، فما الجدوى من وجودهم أصلًا؟ ولماذا تواصل الدولة الاعتماد على مختبرات خاصة بينما يُفترض أن تكون لها مختبراتها المستقلة لضمان النزاهة والشفافية؟

إن الحل الجذري لهذه الإشكالية يكمن في إنشاء مختبر وطني للمراقبة بفروع إقليمية ومحلية، يتولى القيام بحملات فجائية، لا تُعلن مسبقًا، ولا تكون قابلة للتلاعب والتفاوض، بل وتوظيف موظفين تنحصر مهمتهم في مراقبة المراقبين.

دون ذلك، سنظل ندور في حلقة مفرغة، حيث يُمارس الغش في وضح النهار، تحت أعين الجميع، دون أن يُحرك أحد ساكنًا.

خاتمة: إلى متى؟

قد يبدو هذا المشهد مألوفًا، لكنه ليس حتميًا. الدول التي تحترم مواطنيها لا تترك رقابة المواد الحساسة، كالمحروقات، في يد جهات يمكن شراؤها. فإذا كانت الوزارة جادة في وعودها، فالأمر لا يتطلب أكثر من إرادة سياسية حقيقية، بعيدًا عن التقارير الورقية والنتائج “المُطابقة للمواصفات” التي لا تعكس الواقع. أما المواطن، فليس أمامه سوى أن يراقب عداد سيارته، ويدعو ألا يكون “حظه عاثرًا” في محطة قررت أن تخفف عنه أعباء الطريق ببضع لترات من الهواء الممزوج بالوقود!

من المهم أن نؤكد هنا أننا لا نعمم الظاهرة. فبينما قد تكون هناك الممارسات غير القانونية أو الغش في المحطات، إلا أن هناك في المقابل محطات أخرى تعمل وفقًا للمعايير والأنظمة، وتلتزم بتوفير محروقات عالية الجودة. وبالتالي، من الضروري تفريق بين الحالات التي قد تسوء وبين البقية التي تحترم المعايير.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى

أنت تستخدم إضافة Adblock

أنت تستخدم اضافة Adblocks يجب تعطيلها.