الفراقشية: عصابات الظل التي تنهش القرى في صمت!

ضربة قلم
لا يكاد يمر أسبوع في الأوساط القروية بالمغرب دون الحديث عن عملية سرقة جديدة تستهدف المواشي، ظاهرة تفاقمت بشكل يثير القلق، حتى أصبحت كابوسًا يقض مضجع الفلاحين والمربين. الفاعلون في هذه السرقات ليسوا هواة ولا مجرمين عاديين، بل شبكات منظمة تتقن التخطيط والتنفيذ والاختفاء عن الأنظار، لتعود بعد فترة إلى نشاطها الإجرامي بحرفية عالية. في الثقافة الشعبية، أُطلق عليهم اسم “الفراقشية”، وهو مصطلح يعكس ارتباطهم المباشر بسرقة رؤوس الماشية.
كيف تعمل عصابات الفراقشية؟
لا يمكن الحديث عن الفراقشية دون التطرق إلى أسلوبهم المحكم في تنفيذ عمليات السرقة. هؤلاء لا يقتحمون حظائر المواشي بشكل عشوائي، بل يعتمدون على تخطيط دقيق يبدأ برصد الضحايا، مرورًا بجمع المعلومات حول المواشي وأنواعها وأماكن تواجدها، وصولًا إلى التنفيذ باستخدام مركبات تحمل صفائح مزورة، وأحيانًا بتواطؤ من بعض العاملين في الأسواق الأسبوعية أو تجار الماشية.
تعتمد هذه العصابات على سرقة الأغنام أو الأبقار ليلًا، حيث يكون أصحاب الضيعات غارقين في النوم، ثم يقومون بتحميلها في عربات مخصصة لذلك، مستغلين وعورة المسالك أو ضعف التغطية الأمنية في بعض المناطق. بعد السرقة، يتم بيع هذه المواشي بسرعة، إما عبر الأسواق التقليدية أو عبر شبكات إجرامية أخرى متخصصة في إعادة توزيع المسروقات.
لماذا تنشط هذه العصابات في مناطق معينة؟
أصبحت مناطق مثل سطات، برشيد، تادلة والرحامنة بؤرًا لهذه السرقات، نظرًا لكونها تضم كثافة عالية من المربين والكسابة الذين يعتمدون على تربية المواشي كمصدر رئيسي للعيش. كما أن هذه المناطق تحتوي على مساحات شاسعة تجعل تعقب السارقين صعبًا، خصوصًا عندما يكونون مزودين بمركبات سريعة وأدوات تتيح لهم تنفيذ عملياتهم في وقت قياسي.
في بعض الحالات، لا تقتصر العصابات على السرقة فقط، بل تلجأ إلى تهديد الضحايا في حال حاولوا ملاحقتها أو الإبلاغ عنها، ما يجعل بعض الفلاحين يتجنبون التصعيد، ويفضلون التكتم على ما حدث لهم، خشية التعرض لأعمال انتقامية.
اعتقال متزعم العصابة: خطوة مهمة لكنها غير كافية
ما حققته عناصر الدرك الملكي بسيدي بوعثمان، التابعة لسرية بنجرير، من إلقاء القبض على أحد زعماء هذه العصابات رفقة شريك له، يمثل خطوة مهمة في سياق الحرب على الفراقشية، لكنه لا يعني نهاية الظاهرة. فكما هو الحال مع أي شبكة إجرامية، يتم استبدال الأفراد المعتقلين بآخرين، ما لم يكن هناك تفكيك كامل للمنظومة التي تعتمد عليها هذه العصابات.
وقد أسفرت عمليات البحث والتفتيش عن العثور على صفائح تسجيل مزورة كانت تستخدم في التنقل بأمان، دون لفت الانتباه إلى المركبات المستعملة في السرقة. كما تم ضبط أسلحة بيضاء ومعدات متطورة، ما يبرز مدى الاحترافية التي أصبحت تشتغل بها هذه العصابات.
بعد تقديم المشتبه فيهما أمام النيابة العامة لدى محكمة الاستئناف بمراكش، تم إيداعهما السجن المدني بالوداية، حيث ينتظر أن تنطلق محاكمتهما قريبًا. لكن السؤال المطروح هنا: هل سيؤدي اعتقال هذين الشخصين إلى الحد من الظاهرة، أم أن هناك خلايا أخرى ستواصل العبث بممتلكات الكسابة؟
ما الحلول الممكنة لمواجهة الفراقشية؟
رغم المجهودات الأمنية المبذولة، إلا أن القضاء على الفراقشية يتطلب استراتيجية شاملة تعتمد على:
- تعزيز الدوريات الأمنية في المناطق القروية، خصوصًا خلال فترات الأسواق الأسبوعية التي تكون فيها تجارة الماشية في أوجها.
- تشديد العقوبات على المتورطين، لأن التساهل مع مثل هذه الجرائم يغري مجرمين آخرين بالانخراط في نفس النشاط.
- تحفيز التعاون بين الفلاحين والدرك الملكي، من خلال خلق آليات للإبلاغ السريع عن أي تحركات مشبوهة.
- استخدام تقنيات حديثة في التتبع، مثل كاميرات المراقبة في الطرقات الرابطة بين الضيعات والأسواق، واعتماد أجهزة GPS في بعض المركبات التي تستخدم لنقل الماشية.
- فرض إجراءات صارمة في الأسواق الأسبوعية، من خلال إلزام التجار بتقديم وثائق تثبت مصدر الماشية التي يتم بيعها.
خاتمة: إلى متى؟
يبقى الفلاح المغربي الحلقة الأضعف في هذه المعادلة، حيث يجد نفسه أمام خيارين أحلاهما مرّ: إما أن يسكت عن سرقة رزقه خوفًا من الانتقام، أو أن يواجه واقعًا لا يرحم حيث يضيع جهد سنوات في رمشة عين. في ظل هذه الظروف، يبدو أن الحرب على الفراقشية تحتاج إلى أكثر من مجرد اعتقالات متفرقة، بل إلى مقاربة حازمة لا تسمح لهذه العصابات بالاستمرار في العبث بأرزاق الناس. فإلى متى ستظل القرى مرتعًا لعصابات الظل التي تنهش قوت البسطاء دون رحمة؟