الفقيه اللي كنا نتسناو براكتو، دخل الجامع ببلغتو: عدول متهم في قضية أخلاقية

ضربة قلم
في بلاد “الفقهاء” و”الشرفاء” و”العدول”، لا ينقصنا إلا قليل من الحظ، والكثير من الكاميرات الخفية لنعرف من يفعل ماذا، وأين، وكيف، ولماذا! لكن الحظ هذه المرة اختار أن يُسقط القناع عن وجه آخر من أوجه “الورع المُدّعى”؛ فالرجل ليس مشردًا، ولا جانحًا، ولا حتى نجم تيك توك متهور، بل عدل! نعم، عدل من دائرة الرباط، موكول له توثيق العقود والأنساب وتزويج الناس على سنة الله ورسوله، فإذا به يُتهم بأبشع ما قد يُلصق برجل من المفترض أنه مؤتمن: اغتصاب قاصر.
الواقعة، وإن كانت صادمة، لا تصدمنا كثيرًا نحن أبناء هذا الوطن الذين تعودوا على سماع جملة: “ماشي هو هاداك، راه شي مؤامرة”. لكن ماذا سنفعل حين تشير المعطيات أن الجهات المختصة استمعت للفتاة وأسرتها، وباشرت النيابة العامة تحقيقًا انتهى بإيداع العدل المعني سجن تامسنا رهن الاعتقال الاحتياطي؟
هنا، لا يبقى أمامنا سوى أن نمدّ رؤوسنا من النوافذ، ونسأل: هل كان سيُعامل بنفس الطريقة لو لم يكن “عدلاً” محترمًا؟
في البداية، ظهر الرجل بـ”بلغتو” القانونية، طليقًا، لا بل ببدلة أنيقة ووجه مشرق كأن شيئًا لم يحدث. قاضي التحقيق قرر في أول وهلة أن يتركه حرًّا، ربما لأن مظهره لا يوحي بـ”الخطورة”! لكن بعد الاستماع إليه، بدأ الميزان يميل، فانتهى به المطاف إلى خلف القضبان… حيث لا عقود ولا إمضاءات، فقط أسئلة ثقيلة كجدران السجن.
المثير في كل هذا، أن هذه المهنة التي تستند على “الثقة العمومية”، تعيش اليوم أزمة مرآة: ما الذي يحدث حين يكسر العدل العدالة؟ وحين يغدر الأمين بالأمانة؟ هل نعيد التفكير في صلاحيات بعض من يُمنحون سلطة الشهادة على الناس؟ أم نستمر في تلميع الصور حتى تصبح الأكاذيب أجمل من الحقيقة؟
في انتظار ما ستسفر عنه التحقيقات، تبقى عائلة الفتاة القاصر وسط دوامة من الألم والأسئلة، ويبقى الرأي العام بين مصدوم وغاضب، و”بعضهم” لا يرى في الأمر سوى فرصة لترديد لازمة “دعونا لا نستبق الأحكام”. نعم، لا نستبق، لكن لا ننسى أيضًا أن هناك فتاة تعانقت كثيرًا مع الصمت قبل أن تتكلم، لا لأنها لا تملك صوتًا، بل لأن ثِقَل الصدمة كان أكبر من قدرتها على النطق. صمتها لم يكن ضعفًا، بل صرخة مكتومة في وجه مجتمع يضع الضحية في قفص الاتهام، ويمنح الجاني فرصة الظهور بمظهر الوقور. وعندما تكلمت، لم تكن فقط تحكي ما حدث، بل كانت تهدم جدارًا من الخوف، وتُعلن أن الصمت لم يعد لغة مناسبة لزمن العدالة.
أما الفقيه، فالجامع الآن لا يليق به، ولا بركته تنفع من بعد “بلغتو”.