الكلاب الضالة تُطعم وتُعقّم… والمواطن يتكرفص

ضربة قلم
في مملكة العجائب والغرائب، حيث كل شيء ممكن… حتى أن يحظى كلب الشارع برعاية طبية تفوق ما يحلم به المواطن المغربي في نوبة أزمة صحية، أطلقت الدولة مشروعًا طموحًا لتدبير ملف الكلاب الضالة، وسمّته بلغة أنيقة: TNVR (الالتقاط، التعقيم، التلقيح، والإرجاع إلى البيئة). مشروع حضاري، راقٍ، يشبه مبادرة أممية لحماية التنوع البيولوجي… إلا أنه جاء في بلد لا يزال المواطن فيه يعالج نفسه بـ”القرعة والرقية الشرعية“.
في 14 مدينة مغربية، أصبح للكلب الضال رقم تعريفي بيومتري، وملف صحي إلكتروني، وجواز تلقيح دولي، وحق العودة إلى الحي الذي تربّى فيه، بينما ولد البلاد، الذي ولد في نفس الزنقة، لا يملك حتى شهادة ميلاد صالحة دون أن يمر على “الشيخ والمقدم وكاتب عمومي وطابع بعشرة دراهم“.
الكلب… الضال المحظوظ
الكلب في المغرب أصبح نجمًا بيطريًا. تراه ينام في الزوايا مرتاحًا، بعدما تعرّض لتعقيم احترافي، وتلقى تطعيمًا ضد السعار، ثم أعيد إلى الحي وهو يحمل بطاقة تعريف مثبتة في أذنه، كأنه موظف تابع لإحدى المؤسسات العمومية في حالة استراحة دائمة.
بل إن البعض منهم أصبح أكثر توازنًا نفسيًا من بعض المواطنين الذين لم يجدوا من يعقمهم لا عاطفيًا ولا ماليًا ولا اجتماعيًا.
والمواطن… مخلوق غير محمي بيئيًا
أما “ولد البلاد”، فإن أصابته نزلة برد، فعليه أن يختار بين اقتناء دواء “دوليبران” أو ملء قنينة الغاز. وإذا أراد أن يتلقى لقاحًا مجانيًا، فسيُطلب منه ما يلي:
- شهادة السكنى موقّعة من القائد، ومختومة بدم الحاج.
- شهادة الحياة تُستخرج فقط أيام الثلاثاء والخميس من نافذة لا تُفتح.
- صورة شمسية بحجم مقاس وزير، رغم أن المصلحة إلكترونية.
- طابع من عند “مول الزريعة”، لأنه الوحيد الذي مازال يبيعه.
ثم… يُقال له أن اللقاح غير متوفر حالياً، بسبب انشغال الوزارة بتلقيح كلب في حي راقٍ.
الصحة العمومية: إن كنت كلبًا… مرحبًا بك
لنكن واقعيين، لو دخل كلب ضال إلى مستوصف مغربي، لاستقبله الطبيب العام بالمصافحة، والابتسامة، وربما قدّمت له السكرتيرة ماءً بارداً. أما إذا دخل مواطن، فسيُقال له:
“الطبيب ما جاش اليوم… مشا فمهمة… وداكشي ديال الاستعجال را كايديروه غير نهار الاثنين.”
وإذا صرخ في وجههم، أخرجوا له حارس الأمن الذي مارس الجيدو في الحي الصناعي قبل أن يُدمج في الصحة العمومية.
أبناء البلد… بلا تلقيح ولا تعقيم ولا تعاطف
في بعض القرى، لم يرَ الأطفال طبيب أسنان في حياتهم، لكنهم سمعوا عن المشروع الوطني لتعقيم الكلاب. وفي بعض الأحياء الشعبية، يُطلب من المواطن أن يشتري دواء الضغط من ماله الخاص، بينما تُوزع الأدوية على الكلاب دون أن يُطلب منها حتى بطاقة تعريف وطنية.
في مراكز المدن، تنظم الجماعات الترابية حملات تحسيسية لحماية الكلاب من القسوة، بينما المواطن يعاني من قسوة المخزن، والجفاف العاطفي، وصرامة قروض الاستهلاك.
الكلب في الزنقة… مكرَّم
أصبح الكلب في المغرب موضوع فيديوهات تحسيسية، وندوات دولية، وشراكات مع منظمات أوروبية، بينما المواطن المغربي يُكتفى بتصويره وهو يصرخ أمام المستشفى، أو وهو يطالب بعلبة دواء لابنه.
الكلب يُعاد إلى بيئته، والمواطن يُرغَم على مغادرتها مهاجرًا أو مهجَّرًا.
التناقض المغربي الجميل
من المفارقات المضحكة المبكية أن الدولة أطلقت “خطة استعجالية لحماية الكلاب”، في الوقت الذي لم تطلق فيه “خطة استعجالية لحماية الأرواح البشرية من الطوابير، والإهانة، وسوء الاستقبال، وفوضى المواعيد.”
بل وصل الأمر إلى أن بعض جمعيات حقوق الحيوان في المغرب أصبحت أقوى تمويلاً وتنظيمًا من بعض جمعيات حقوق الإنسان.
الخاتمة: نباح له معنى
في مغربنا العزيز، أصبح الكلب يجد من يسهر على صحته، بينما المواطن لا يجد من يسهر على شكايته.
الكلب يبيت في الزنقة مطمئنًا… لأنه على الأقل لن يُستدعى عند البوليس إذا كتب منشورًا على الفيسبوك.
نحن بلد عجيب… لا نحتاج لمسرح، لأننا نعيش على الخشبة أصلاً.




