الله يلعنها بلاد… ولكن أي بلاد؟!

ضربة قلم
آهٍ على وطنٍ، حين تصير الجرائد قنابل موقوتة، والجُمل الغامضة تهمة محتملة، و”الله يلعنها بلاد” أقرب إلى زلزال سياسي منها إلى تنهيدة مواطن غاضب على مجريات الأخبار العالمية. في هذا المشهد الكاريكاتوري الباذخ بالسخرية، لا نحتاج إلى خيال هوليودي: مجرد جريدة يومية، وعبارة غامضة، ومقدم بشهية مخبر هاوٍ، يصنع لنا لحظة درامية أقرب إلى محاكاة ساخرة من “مسرح العبث”.
الشاب كان يقرأ، نعم يقرأ! وهذا في حد ذاته سلوك مشبوه في دواليب الإدارة المغربية، حيث تُعتبر المطالعة فعلاً غير منسجم مع “ثقافة الصف” و”أخلاق الترقب”. وبينما كان يطالع الصفحة الدولية، قالها: “الله يلعنها بلاد”. لم يقل: “هذه البلاد”، لم يشر بسبابته إلى الخريطة، لم يذرف دمعة على الوطن… فقط شتم بلاداً ما، مجهولة، بعيدة، في الصفحة الرابعة. لكن المقدم، صاحب الآذان المدربة والضمير “الوطني” المتيقظ، قرأ النوايا بين السطور، أو سمع الوشاية من الملائكة المرافقة.
ثم تأتي ذروة المشهد: المقدم يُحضر أفرادا من القوات المساعدة، كما لو أنه يُمسك بخارج عن القانون، فيُحمل الشاب على طريقة الطرائد، ليقف أمام القائد، الحاكم بأمر الانتظار. ولأن لكل “إدارة” لحظتها الإنسانية، فقد قرر القائد أن يسأل أولاً… وهذه فضيلة نادرة تُسجل له في دفاتر الرأفة. أجاب الشاب، ببلاغة وحكمة: “كنت أتكلم عن بلاد أخرى”. وهنا فقط… التمعت الحكمة في عيني القائد، فاستدار إلى المقدم، ذلك الرادار البشري، ووبخه كما يُوبَّخ طفل أفسد لعبة الكبار.
لكن المشهد لا يكتمل دون أن نعود إلى الشاب، الذي غادر المكان مرفوع الرأس، والتفت إلى المقدم بكلمات لا تُنسى:
“راني قلت لك الله يلعنها بلاد”…
نفس العبارة، نفس اللحن، لكن المعنى؟ مُعلق بين سطور الجريدة وضباب النوايا.
في النهاية، هذا المشهد ليس فقط نكتة سوداء، بل هو كاشف عميق عن هشاشة العلاقة بين المواطن والسلطة. حين تصير العبارة مطية للتأويل، وتتحول الكلمات إلى دليل إدانة، نعرف أننا لسنا فقط في إدارة عمومية، بل في مشهد مسرحي كبير، لا تنقصه سوى لافتة كتب عليها: “كل شتيمة محتملة تُحسب على الوطن”.
والسؤال البسيط الذي لا يُطرح أبدًا هو:
من الذي جعل “البلاد” تتطابق في الأذهان مع “اللعنة”؟