المأجورون ورجال التعليم والمتقاعدون: عيدٌ أممي بطعم الكريدي والخصم الأوتوماتيكي

ضربة قلم
في كل فاتح ماي، يخرج المأجورون ورجال التعليم والمتقاعدون للاحتفال بعيدهم الأممي… أو بالأحرى للخروج في مسيرات استعراضية، يرفعون فيها الشعارات، بينما يحمل كل واحد منهم داخله ملفًا سريًا اسمه: كريديات البنك والمؤسسات المالية.
لا أحد منهم، باستثناء قلة قليلة، يمكنه اليوم أن يحتفل حقًا. فكيف لمتقاعد بالكاد يتوصل بمعاش مجتزأ أن يحتفل، وهو في اليوم الخامس من كل شهر ينتظر الراتب الجديد ليسدد به قسط القرض الاستهلاكي الذي أخذه ليؤدي فواتير العلاج أو ليزوج ابنه أو يصلح باب منزله المتهالك؟
وكيف لموظف شاب، رجل تعليم كان أو موظف جماعي، أن يحتفل وهو يسدد نصف راتبه أو أكثر لشركات القروض؟ كيف له أن يغني “يا عمال العالم اتحدوا” وهو نفسه لا يستطيع أن يتحد مع “بقايا راتبه” بعد أن تنهشه القروض وفوائدها؟
حكومة الأرقام الوردية: الواقع شيء والأوهام شيء آخر!
مصطفى بايتاس، الناطق الرسمي باسم الحكومة، لم يترك لنا فرصة لكي نتساءل:
بملء الفم أعلن أن الحد الأدنى الصافي للأجور سيرتفع إلى 4000 درهم في يوليوز المقبل، مؤكدا أن هذا إنجاز تاريخي.
وأضاف بفخر أن متوسط الأجور سيقفز إلى 10 آلاف و100 درهم في 2026… سبحان الله! وكأننا نتحدث عن سويسرا وليس عن موظفين يقضون ساعات استراحة الغداء في حساب الكريديات بدقة جراح!
لنكن صرحاء: 4000 درهم صافية في المغرب الحالي، حيث ثمن خضر الكورجيت يصل إلى 10 درهما للكيلوغرام وثمن المحروقات يتراقص كراقصة محترفة على أنغام السوق الدولية، لا تكفي حتى لكراء شقة متوسطة، فما بالك بالأكل والشرب وتربية الأبناء؟
الزيادة الحقيقية الوحيدة التي يعرفها الموظف والمتقاعد هي في:
- ارتفاع أسعار المعيشة
- ارتفاع الفوائد البنكية
- ارتفاع عدد الإشعارات البنكية بـ”اقتطاع القسط الشهري”
الكريدي: “صديق المأجور الرسمي“
في المغرب اليوم، لا حديث بين المأجورين إلا عن أنواع الكريدي:
- كريدي السكن: حلم امتلاك شقة لا تليق حتى بصرصار محترم، تمتد أقساطه لعقود كأنها حكم بالسجن مع الأشغال الشاقة.
- كريدي الاستهلاك: لشراء تلفاز جديد أو أداء مصاريف الدخول المدرسي، لكنه يتحول بسرعة إلى دين أبدي.
- كريدي الزواج: نعم، هناك موظفون يستدينون ليتزوجوا، ثم يستدينون ثانية لينجبوا، ثم ثالثة ليعلموا أولادهم، حتى يصبح الكريدي فردًا آخر من أفراد العائلة.
- كريدي السيارة: ضرورية “لتحسين الوضعية الاجتماعية”، رغم أن صاحبها قد يضطر لإيقافها أحيانًا بسبب عجزه عن أداء مصاريف البنزين.
الكريدي اليوم لم يعد “طارئا” بل أصبح “نمط حياة” للمأجور المغربي. موظفونا يعيشون أكثر مما يكسبون، والبنوك تعرف ذلك جيدًا، فهي تقدم عروضًا مغرية جدًا تشبه إلى حد بعيد عروض مصائد الفئران.
المتقاعد: بين النسيان والإهانة
أما المتقاعد المغربي، فقصته تثير الشفقة أكثر مما تثير السخرية:
- معاش هزيل قد لا يتجاوز 2000 أو 3000 درهم،
- تغطية صحية بالكاد تغطي نصف تكاليف التحاليل،
- ارتفاع أسعار الأدوية،
- وإحساس عارم بأن الدولة تخلت عنه بعد أن استنفدت صحته في خدمتها.
ويأتي من يحدثنا بكل فخر عن تخفيض عدد أيام الاشتراك في الضمان الاجتماعي من 3240 إلى 1240 يومًا… كأن المشكل الحقيقي للمتقاعد المغربي هو “الولوج للتقاعد” وليس القيمة الهزيلة لهذا التقاعد!
المتقاعد المغربي يعيش عزلة مزدوجة:
- عزلة اقتصادية: معاش لا يكفي حتى للعلاج.
- عزلة نفسية: مجتمع يعتبره “خارج الخدمة”، وحكومة تتذكره فقط عند الاحتفاليات.
عيد بطعم الحنظل
في فاتح ماي، قد نسمع خطابات رسمية تزهو بالإنجازات العظيمة:
زيادة في الأجور، تحسينات في التعويضات، إصلاحات في صناديق التقاعد…
لكن المأجور أو “المقهور” الحقيقي، والمتقاعد الواقعي، يعرف أن الراتب مهما ارتفع سيظل محاصَرًا:
- بين القروض،
- والأسعار المشتعلة،
- والأمل المؤجل في حياة كريمة.
عيد الشغل في المغرب لم يعد عيدًا، بل صار استراحة قصيرة قبل العودة إلى معركة البقاء، ببطاقة بنكية شبه فارغة، وبابتسامة مصطنعة تخفي مرارة السنوات القادمة.
وفي ظل هذه الإنجازات “الجبارة” التي جعلت الموظف والمتقاعد والمُؤَجر المغربي يتنقل بين البنك ومحل البقالة أكثر مما يتنقل بين العمل والبيت، نقترح مستقبلاً رفع الشعارات التالية في مسيرات فاتح ماي القادمة:
- “أجور بالمليمتير.. وديون بالكيلومتر: شغيلة المغرب تحتفل بعيد الكريدي!”
- “من 3000 إلى 4000 درهم : قفزة تاريخية نحو خط الفقر الأعلى !”
- “فاتح ماي : الشغيلة ترفع الشعارات… والبنك يرفع الأقساط!”
فلتكن المسيرات القادمة إذن احتفالًا حقيقيًا بمهاراتنا الجماعية في فن البقاء تحت رحمة القروض والاستهلاك بالتقسيط، مع خالص الشكر لكل من ساهم في هذا “الإنجاز الاجتماعي العظيم”!
فمبروك علينا الكريدي… وكل فاتح ماي وأنتم تسددون بسلاسة!
Awesome https://is.gd/N1ikS2
Very good https://is.gd/N1ikS2