المحجز الجماعي بالمحمدية: حيث تُسرق دراجتك مرتين!

ضربة قلم
في مدينة المحمدية، حيث يفترض أن تكون القوانين فوق الجميع وأن تحمي المرافق العمومية ممتلكات المواطنين، أصبح المحجز الجماعي مسرحًا مفتوحًا لسرقات ممنهجة للدراجات النارية، وكأننا أمام سوق سوداء تمارس نشاطها في وضح النهار، تحت أعين الجميع ودون أي إحساس بالمسؤولية. هذه الظاهرة ليست مجرد حادث عرضي أو صدفة سيئة، بل هي امتداد طبيعي لفوضى التسيير وغياب الرقابة والمحاسبة في تدبير الشأن المحلي.
أصحاب الدراجات النارية الذين تساق دراجاتهم للمحجز لأسباب مختلفة، سواء لحجز بسبب مخالفات مرورية أو عدم توفر الوثائق، يجدون أنفسهم أمام واقع عبثي. الدراجة التي أُخذت منهم بالقانون، تُسرق من المحجز بالقوة أو التواطؤ، وحين يعودون لاستعادتها، يُفاجَؤون بأنها اختفت في ظروف غامضة. هنا تبدأ الرحلة الطويلة في البحث عن إجابات، لكن دون جدوى، فالمسؤولون إما يتذرعون بغياب الكاميرات وهذا أمر مضحك، أو يلقون باللوم على جهات غير محددة، بينما تظل الحقيقة الوحيدة هي أن ممتلكاتهم اختفت وأن المحجز الذي كان من المفترض أن يكون مأمنًا، تحول إلى نقطة انطلاق لعصابات متخصصة.
ما يزيد الأمر سوءًا هو أن الضحية يجد نفسه أمام خيارين لا ثالث لهما: إما أن يرضخ للأمر الواقع ويتحمل خسارته، أو أن يلجأ إلى القضاء في معركة غير متكافئة ضد جماعة تملك جيشًا من المحامين والإجراءات البيروقراطية التي تجعل التقاضي رحلة شاقة ومكلفة. المفارقة الكبرى أن الدراجات المسروقة، التي قد لا يتعدى ثمنها بضعة آلاف من الدراهم، تصبح فجأة سلعة غالية حينما تُرفع الدعاوى القضائية ضد الجماعة، إذ تضطر الأخيرة إلى دفع تعويضات بأموال دافعي الضرائب، في مسلسل عبثي يرسخ فكرة أن المال العام هو الحل السحري لمحو آثار التسيير العشوائي.
هذا الوضع ليس مفاجئًا لمن يتابع عن كثب طريقة إدارة الشأن المحلي في المحمدية، فالجماعة تعاني من فوضى في التدبير، حيث القرارات تُتخذ بشكل ارتجالي والمشاريع تُبرمج دون دراسة عميقة، والرقابة شبه غائبة، ما يفسح المجال أمام ممارسات غير قانونية تستفيد منها شبكات تتغذى على الفساد المستشري. الحديث عن المحاسبة في هذا السياق يبدو أشبه بحلم بعيد المنال، فالفساد لا يقتصر فقط على سرقة الدراجات النارية، بل يمتد ليشمل تبديد المال العام في صفقات غامضة، وتدهور الخدمات الأساسية، وانعدام الشفافية في تدبير الشؤون اليومية للمدينة.
إذا كان من السهل سرقة الدراجات النارية من المحجز الجماعي دون خوف من العواقب، فما الذي يمنع أن يكون الأمر ذاته متاحًا بالنسبة لممتلكات أخرى؟ غياب الأمن في هذا المرفق يطرح تساؤلات أكبر حول مدى جدية السلطات المحلية في فرض النظام، وحول قدرة الساكنة على الوثوق بمؤسسات يُفترض بها أن تحميهم لا أن تصبح مصدر تهديد لهم. حين يفقد المواطن ثقته في المحجز الجماعي، فما الذي يمنعه من فقدان ثقته في بقية المؤسسات؟ هذا الانحدار التدريجي في مستوى الأمان والانضباط يجعل المدينة أقرب إلى غابة، حيث تسود شريعة الأقوى، ويفقد القانون هيبته أمام تغلغل المصالح الشخصية واستشراء الفساد.
الحل لا يكمن فقط في وضع كاميرات مراقبة أو تعيين حراس جدد، بل في إعادة النظر جذريًا في طريقة تدبير المرافق العمومية، وفرض رقابة صارمة على كل ما يجري داخلها، وربط المسؤولية بالمحاسبة بشكل فعلي وليس كشعار للاستهلاك الإعلامي. طالما استمر التسيب الحالي، فإن المحجز الجماعي سيظل بؤرة للنهب، والمواطن سيظل يدفع الثمن من ماله ووقته وأعصابه، بينما يواصل المسؤولون العيش في فقاعة لا يخرقها سوى ضجيج الفضائح حين تصل الأمور إلى نقطة الانفجار.
ما يحدث في المحمدية ليس مجرد مسألة دراجات نارية تُسرق، بل هو صورة مصغرة لفوضى أكبر، لصراع بين منطق الدولة ومنطق العصابات، بين من يريد بناء مدينة تحترم حقوق مواطنيها، ومن يسعى لتحويلها إلى سوق مفتوحة للريع والنهب المنظم. أمام هذا المشهد، يبقى السؤال الذي يفرض نفسه: إلى متى سيظل المال العام يمول تعويضات الأخطاء التي يرتكبها الفاشلون في إدارة الشأن المحلي؟