المحمدية.. مدينة تُنهب في ظل تواطؤ رئيسها

ضربة قلم
شهدت مدينة المحمدية مؤخراً تطوراً مثيراً للجدل، بعد صدور حكم نهائي يقضي بعزل النائب الثاني لرئيس جماعة المدينة، على خلفية تسليم رخصة لهدم فيلات تقليدية تُعتبر جزءاً من الإرث المعماري للمدينة. هذا القرار القضائي، الذي يحمل دلالات عميقة، يسلط الضوء على أزمة تسيير الجماعة المحلية، ودور رئيسها الذي لم يكن غيابه إلا جزءاً من المشهد العبثي الذي تعيشه المدينة.
المثير للجدل أن هذه الفيلات لم تكن مجرد بنايات قديمة، بل كانت تمثل جزءاً من الطابع العمراني المميز للمحمدية، وتحمل بُعداً ثقافياً وتاريخياً يعكس هوية المدينة. قرار الهدم، الذي مرَّ دون مقاومة تُذكر، يعكس تغولاً واضحاً للقطاع العقاري، حيث تحوّلت المدينة إلى ساحة مفتوحة أمام المستثمرين العقاريين دون مراعاة التوازن الحضري أو البُعد البيئي.
في خضم هذه الفوضى، لا يمكن اعتبار رئيس الجماعة مجرد متفرج، فالرخصة التي أفضت إلى عزل النائب الثاني لم تصدر في فراغ، وإنما تمت في سياق من التواطؤ المقنع، حيث سمح الرئيس بتمرير القرار تحت غطاء الغياب، في محاولة للتهرب من أي مسؤولية مباشرة. لكن غيابه هنا ليس سوى غطاء لنهج محكم من التسيب الإداري الذي يطرح أكثر من علامة استفهام. هل كان الرئيس غائباً عن قصد لإعطاء الضوء الأخضر دون أن يترك بصمته الرسمية؟ أم أنه كان شريكاً صامتاً في عملية تحويل المدينة إلى بقرة حلوب للمضاربات العقارية؟
إن الوضع الحالي في المحمدية لا يمكن قراءته فقط من زاوية هذه الواقعة، بل هو جزء من سياق عام من التراجع الذي تعانيه المدينة على عدة مستويات: البنية التحتية المتدهورة رغم موقعها الاستراتيجي بين الدار البيضاء والرباط، والتدهور البيئي الذي تشهده المدينة جراء اجتياح عمراني على حساب الفضاءات الخضراء والشواطئ، مما يفقدها طابعها الجمالي والسياحي. تكرار الفضائح الإدارية وغياب استراتيجية واضحة لإدارة المدينة يعكس خللاً جوهرياً في الحكامة المحلية، حيث لم يعد هناك فرق بين الغياب والتواطؤ، فكلاهما يؤدي إلى نفس النتيجة الكارثية.
في ظل هذا الواقع، يظل السؤال قائماً حول مستقبل المحمدية. هل ستبقى رهينة المصالح العقارية والصفقات المريبة، أم أن هناك إمكانية لإعادة ترتيب الأولويات؟ الحكم القضائي بالعزل النهائي للنائب الثاني هو خطوة في اتجاه فرض المحاسبة، لكنه يبقى غير كافٍ إذا لم يتم فتح تحقيق شامل حول من يقف خلف هذه القرارات، وعلى رأسهم رئيس الجماعة نفسه.
يبقى الأمل معقوداً على يقظة المجتمع المدني والصحافة الجادة، التي يجب أن تضغط من أجل إعادة الاعتبار للمدينة، والحيلولة دون استمرار نهج «البقرة الحلوب» الذي يحول كل مساحة متاحة إلى مشروع عقاري بلا هوية، فيما تُترك المدينة وسكانها في مواجهة مصير مجهول.
إن المحمدية، التي كانت يوماً ما مدينة الزهور والشواطئ، تواجه اليوم اختباراً حقيقياً لمستقبلها. بين تواطؤ المصالح وغياب القيادة، يبقى مصيرها معلقاً على قدرة سكانها على فرض إرادة الإصلاح، واستعادة مدينتهم من براثن الفوضى العمرانية والتسيب الإداري.